لماذا أدار الأتراك ظهورهم لرجل الدين السوري جودت سعيد؟
توفي العالم الإسلامي جودت سعيد، الذي أكسبه رفضه المتواصل للعنف ودفاعه عن الاحتجاجات اللاعنفية ضد الحكومة السورية لقب "غاندي العربي" في سوريا على الرغم من أصوله الشركسية، عن عمر يناهز 91 عامًا في اسطنبول حيث لجأ هربًا من الحرب الأهلية الدائرة في سوريا، وكان سعيد أحد الموقعين على ما يسمى بإعلان دمشق، وهو بيان مشترك احتضنته شرائح كبيرة من المجتمع السوري بما في ذلك الأكراد والإخوان وغيرهم من قادة المعارضة السورية الذين دعوا إلى عملية انتقال سلمي وإصلاح في سوريا.
وانتقل الداعية إلى تركيا عام 2012 بعد مقتل شقيقه في اشتباكات مسلحة بين قوات الحكومة السورية وجماعة جبهة النصرة في محافظة القنيطرة جنوب سوريا، ورفض عروض المساعدة من الهيئات الحكومية التركية والمسؤولين، فقد نجا هو وزوجته، التي توفيت العام الماضي، بشكل أساسي بدعم أسرته والمنظمات الشركسية، وعلى الرغم من أنه يعرف باسم غاندي العربي، إلا أن سعيد كان من أصل شركسي ولد في قرية شركسية في القنيطرة على الجانب السوري من مرتفعات الجولان، وينحدر أسلاف سعيد من قبيلة شركسية بارزة، هي قبيلة تسي، واستقروا أولاً في البلقان ثم في الجولان بعد طردهم من وطنهم من قبل الروس في القرن التاسع عشر.
مستوحاة من دراسات المفكر الجزائري الراحل مالك بن نبي حول المجتمعات الإسلامية، كانت رؤية سعيد للإسلام مزيجًا من المُثُل الإنسانية بما في ذلك السلام واحترام حقوق الإنسان والقيم الديمقراطية والتقاليد الشركسية، ومع ذلك، فإن معارضته الشديدة لجميع أشكال العنف التي دافع عنها على مدى الستين عامًا الماضية لم تكن مفهومة حقًا سواء من قبل زملائه الإسلاميين أو شعبه الشركسي وأعرب عن أسفه بشكل حاسم لعدم وجود جهد كاف في العالم الإسلامي لتطوير أفكار تعطي الأولوية لللاعنف والعصيان المدني والديمقراطية في العديد من خطاباته ومقابلاته.
وكان ناشطًا خلال الاحتجاجات السلمية في سوريا عام 2011 قبل أن تتحول العاصفة إلى حرب أهلية دامية وفي ذلك الوقت، في تجمع بمنطقة حوران بجنوب سوريا، حذر الناشطين السوريين من اللجوء إلى السلاح تحت أي ظرف من الظروف وحافظ على موقفه خلال الحرب الأهلية، وانتقد بشدة أولئك الذين حملوا السلاح.
ومع ذلك، فإن تحدي سعيد المستمر لجميع أشكال العنف لا يرقى إلى مستوى توقعات الجماعات الإسلامية المتشددة التي أدارت ظهرها وتنكرت للداعية الذي سجنته السلطات السورية عدة مرات بسبب آرائه المعارضة، الإسلاميون الذين يعتقدون أن الكفاح المسلح هو الخيار الوحيد للدفاع عن النفس سارعوا إلى سد آذانهم عنه وفي الواقع، كانت آرائه معروفة منذ الخمسينيات.
بعد أن استقر في تركيا، حاول تنظيم الإخوان استغلاله من أجل حشد الدعم لسياسات الحكومة التركية في سوريا، واستقبل سعيد، الذي تُرجمت كتبه العديدة إلى التركية، لأول مرة بإعجاب كبير في تركيا وألقى كلمة في أكثر من 100 مؤتمر في مدن مختلفة بالدولة، وفقًا للصحفي التركي فهيم تستكين الكاتب بصحيفة نبض تركيا، وقال مصدر مقرب من سعيد للصحفي التركي إن هذا التملق تحول تدريجياً إلى تجنب، حيث مثل موقفه المقاوم للعنف أحد العوامل الحاسمة التي جعلت الإسلاميين الأتراك يتنكرون له، وأشار المصدر إلى أن مصالح المتشددين مع الداعية الراحل تضاءلت تدريجياً، وبالتالي دُفع إلى العزلة حتى أن دفاعه عن اللاعنف جعله في مرمى الاتهامات العديدة بأنه دمية في يد الطغاة، وفي المقابلات الصحفية، غالبًا ما واجهته أسئلة حول ما إذا كان "مع النظام السوري أو المعارضة"، وبقيت إجابته كما هي: بصفته معارضًا تم سجنه عدة مرات من قبل إدارة الأسد، قال إنه يعارض تكتيكات إدارة الأسد لاستغلال العنف والكفاح المسلح ضده، مؤكدًا أنه لا يمكن تحقيق السلام والديمقراطية من خلال أسلحة.
وقال في إحدى مقابلاته "أنتم أتراك لا تعرفون شيئًا سوى الأسلحة"، أضاف بعد أن واجهه المحاور بالقول إن الشعب السوري ليس لديه خيار آخر سوى حمل السلاح، وكان رئيس الوزراء السابق أحمد داود أوغلو، زعيم حزب المستقبل، أحد القادة السياسيين القلائل الذين حضروا جنازة سعيد في 31 يناير في منطقة أوسكودار، بوسط إسطنبول، إلى جانب حاكم إسطنبول.