الجمعة 22 نوفمبر 2024 الموافق 20 جمادى الأولى 1446
رئيس التحرير
شيماء جلال
عاجل
تقارير

ياسر رزق..الحائر بين النور والنار

الرئيس نيوز


الصحافة هي لعبة "النور و النار" فهناك من يكتفي بدور القنديل الذى يضئ الطريق  لجمهور أفراده من الحكام والمحكومين، وهناك من يدفعه طموحه وفضوله للاقتراب من نار السلطة.

الكاتب الصحفي ياسر رزق، هو أحد هؤلاء الذين لعبوا لعبة النور والنار، لا يختلف اثنين فى الوسط الصحفي حول مهارته صحفيًا، فهو  يستند على تاريخ كبير من الإنجازات المهنية، منذ خطواته الأولى كمحررًا عسكريًا مطلع عام 1999، ثم مندوبا برئاسة الجمهورية عن ‏جريدة الأخبار، ثم ترقى في العديد من المناصب، حتى تولى رئاسة تحرير مجلة الإذاعة ‏والتليفزيون عام 2005، كما تولى رئاسة تحرير جريدة أخبار اليوم، ثم رئيسًا لتحرير ‏المصري اليوم، وبعد ثورة 30 يونيو عاد ياسر رزق ليتولى رئاسة مجلس إدارة وتحرير ‏الأخبار، وقد حصل رزق خلال مسيرته على نوط الواجب العسكري من الدرجة الأولى، ‏وميدالية الخدمة الطويلة والقدوة الحسنة.‏

 ما حصده الكاتب الكبير ياسر رزق مهنيًا لم يكن يروى ظمأه، وكأن الحدوتة لا تكتمل دون فصل أخر بالقرب من نار السلطة. 

لعنة هيكل.. من يفوز بلقب حامل راية الأستاذ؟
"لعنة هيكل"، حلم ظل يطارد جيل كامل من الصحفيين والكتاب، حتى أنه أثار حربا ضروس بين عدد من أقرب الأصدقاء، الجميع يتسابق على ولاية عهد الأستاذ.

لا أحد يستطيع أن يحجر على أحلام الأخرين، خاصة فى مهنة تستمد حراراتها من علاقتها بالسلطة بالسلب أو الإيجاب، كفراشات يحلق الكتاب حول الساسة، ولكن من يستطيع الصمود دون الاحتراق؟.

أكثر من20 عاما دار فيها رزق فى فلك الدولة المصرية وأروقة النظام، باحثًا عن الكواليس، جامعا للتفاصيل، وربما تعاظم حلمه ليحاول أن يصل إلى درجة "منظر النظام"، وحامل راية الأستاذ.

رزق الذى رأى فى نفسه توافر مقومات مشابهة لتلك التى عاشها هيكل فى زمانه، فالاثنين عملا كمحررين عسكريين بالقرب من قيادات عسكرية حملت لواء الحكم فى زمانها، هيكل الذى شهد ولادة ثورة يوليو ورافق عبد الناصر على نفس الدرب، ورزق الذى شهد ولادة يونيو وتمنى مرافقة السيسي، حتى وإن بقيت أمنياته فى قلبه وعقله فقط.

حرص رزق منذ بداية طريقه على القرب من السلطة أيا كان القائم عليها، وحاول تعزيز علاقته بنظام مبارك، فلعب لعبة المحلل السياسي لتوجهات الوريث المحتمل، جمال مبارك، الذي كان الوريث المحتمل وقتها يتخير من بين القيادات الشابة من يصلح لتصدر دولته السياسية، وإن لم يكن ياسر رزق من بينها فالأكيد أنه حاول طرح نفسه، فقد كتب مقالا بعنوان" رسائل جمال مبارك، أفرد فيه مساحة معتبرة لتحليل دوافع مبارك الابن للاشتراك فى الحياة السياسية، مصبغًا عليه الكثير من الصفات الحميدة إنسانيا و متغزلا فى رشاده السياسي، وظلت الفكرة الأبرز فى المقال والتى لم يمل من تكرارها أنه ليس لدي جمال مبارك طموحات شخصية من وراء العمل العام إلا خدمة بلده، ولم تخلو مقالاته من مغازلة سوزان مبارك أيضا، فله مقال بعنوان " أمسية فى ضيافة صاحبة الأمل".

وقد نجح  بالفعل فى الوصول إلى رئاسة تحرير جريدة أخبار اليوم أحد أهم أعرق الجرائد القومية المصرية، لكن الحظ  لم يكن حليفا له فى تلك الأيام، فعقب توليه رئاسة تحرير الأخبار بعدة أيام أطاحت ثورة يناير بمبارك وولده كما أطاحت برزق.

ولأن "الحلم لا يقف عند ناصية نظام"، أعاد رزق حساباته فى ظل المعادلة الثورية الجديدة، ليعيد التمركز بلغة العسكريين، فقدم شهادته على مشروع التوريث، ونالت سهام كلماته مبارك ونجله خلف القضبان.

حتى أنه هاجم جمال مبارك مؤخرا فى أحد البرامج التلفزيونية متهما إياه بعقد صفقة من الإخوان لخوض الانتخابات الرئاسية، "أنا مش فاهم جمال عايز إيه يعني وهو المتسبب الرئيسي في ما حدث 25 يناير هو وأحمد عز بسبب ملف التوريث اللي أغضب الشعب في كرامته".

عقب الثورة لم يفقد رزق بوصلته السياسية ولم يفقد حدسه الصحفي الذى وجهه إلى أن الخلاص القادم لمصر من كبوتها سوف يكون "عسكريا"، فعزز علاقاته القديمة كمحرر عسكري بالقيادات العسكرية، والتى كان من بينها اللواء عبد الفتاح السيسي (آنذاك).

حالة الانفتاح على قادة الرأي وقتها لم تكن خاصة أو قاصرة على رزق وحده، بل كان الباب مفتوحا لكل صاحب رأى ووجهة نظر، كانت الحالة العامة أشبه بمائدة أسرية لمناقشة مستقبل مصر.

علاقة ودية مغلفة بالاحترام المتبادل والثقة في نبل الهدف تلك التي ميزت علاقة السيسي برزق، كما ميزت علاقته بكثير من الكتاب والصحفيين، فالجميع اتفق على قدرة السيسي الفائقة على "الإنصات" للجميع.

أفرد رزق سلسلة من المقالات يتبنى فيها الدفاع عن المجلس العسكري من جهة وتفسير وتوضيح للمواقف والتوجهات لقيادة المرحلة الانتقالية من جهة أخرى.

 لم يكن هناك فرصة لرزق مع جماعة الإخوان التي وصلت إلى رأس السلطة فى غفلة من الزمن وعلى نحو لم يكن يتوقعه أحد بمن فيهم هو نفسه، مما أبعده عن قائمة اختيارات الجماعة، لتطيح به من دار أخبار اليوم.

تحولات دراماتيكية شهدتها الأجواء السياسية فى مصر، أطاحت بالإخوان، ليعود المكون العسكري مره أخرى لواجهة الواقع  السياسي فى مصر، وتعاود أسهم رزق فى الارتفاع مرة أخرى.

علاقة ياسر رزق بالرئيس عبد الفتاح السيسي
مع ظهور اسم عبد الفتاح السيسي كأحد أقوى المرشحين المحتملين للرئاسة، تكررت لقاءات رزق والسيسي ( بحسب ما أعلنه رزق)، وجاء الحوار الصحفى لرزق مع الفريق أول عبد الفتاح السيسي المرشح لرئاسة الجمهورية، بأحد الصحف اليومية الخاصة، ليعطي إشارات قوية على مدى الثقة والاطمئنان له ككاتب صحفي.

ولكن الحظ أبى أن يترك رزق منتشيا بسبق الحوار، فواجه أزمة تتعلق بتسريب تسجيلات قيل انها خاصة بالحوار، وتوقع البعض أن تلك الأزمة قد تطيح بأحلام رزق فى الاحتفاظ  بمركزه لدى السيسي، إلا أن الرجل كان أكثر رحمة من ظنون الأخرين، ولم يقف كثيرا أمام تلك الواقعة.

عاد رزق مرة أخرى على رأس أخبار اليوم ، ليجند قلمه بشكل كامل للدفاع عن وجهة نظر الرئيس داخليًا وخارجيا، وهو دور قام به رزق وغيره، ولكن التلميحات المبطنة للعلاقة الوثيقة بين رزق كأحد الكتاب الصحفيين المقربين من الرئيس هى ما لفتت الأنظار وليس فحوى ما يكتب فى حد ذاته.

التبشير بالتعديلات الدستورية، أحد المحطات الهامة فى مقالات رزق بأخبار اليوم، فقد خصص سلسلة من المقالات حول هذا الشأن " عام الإصلاح السياسي"، "تسونامي الإصلاح السياسي"، "خارطة التعديلات الدستورية"، و كان أول من أعلن انطلاق قطار التعديلات قبل الإعلان الرسمي عنها من قبل البرلمان أو أحد الشخصيات الحكومية، الأمر الذى أثار حالة من الارتباك وقتها.

 خصص رزق جزءاً كبيراً من مقالاته عن التعديلات الدستورية تدور حول الإعلام، وكتب في مقالة: (أما ما يتعين إعادة النظر فى مجمله، فهو الفصل العاشر ‏المتعلق بمواد الإعلام والصحافة، فالتجربة أثبتت أن عدم وجود قيادة أو مظلة إشرافية موحدة ‏للصحافة والإعلام الرسمي والخاص والحزبي، هو أحد أسباب ضعف دور الإعلام، بل أدى إلى ‏إلقاء اللوم عليه فى أمور يتحملها وفى أشياء هو برىء منها تماماً).‏

 أرجع البعض محاولات رزق لتعديل هذه المادة فى الدستور رغبة منه فى تقديم مشروع متكامل لإدارة المنظومة الإعلامية فى مصر، بما فيها الهيئات الإعلامية الثلاث، حتى ان اسمه قد تردد فيما بعد كأحد المرشحين لتولى منصب وزير الدولة للإعلام الذى لم يكن له وجود من قبل، ولكنه أيضا لم يصل إلى هذا المنصب.

 سطر ياسر رزق شهادته الأخيرة على أحداث 30 يونيو قبل أيام فقط من انتهاء رحلته فى الحياة، مطلقاً كتابه "سنوات الخماسين_ بين يناير الغضب ويونيو الخلاص"، ولكنه لم يكن يعرف أنها كلماته الأخيرة.

وخلال حفل توقيع كتابه حاول أن يدفع عن نفسه ما يردده البعض من محاولاته أن يكون هيكل دولة 30 يونيو، فألقى كلمة قال فيها أنه لم يكتب كل ما يعرف لأن بعض الوقائع قد تكشف علاقته الوثيقة ببعض الأطراف فى سلطة الحكم، وهو ما لا يريد الترويج له، فكان كمن يؤكد ما يحاول نفيه!، فهو رجل ظلت جذوة الحلم باقية فى قلبه حتى يومه الأخير.