رتق الملابس والأحذية.. الانهيار الاقتصادي يدفع لبنان لإحياء مهنتين قديمتين
متاجر الملابس وبعض الشركات الدولية التي انسحبت من السوق بعد أن فقدت الثقة في قدرة لبنان على الخروج من أزمته، أغلقت أبوابها الواحدة تلو الأخرى منذ أوائل عام 2020، وكان الرئيس اللبناني، ميشال عون، قد أشار في عشية عيد الميلاد إن "البلد يحتاج إلى 6 أو 7 سنوات للتعافي"، وأشارت دراسة أجرتها الإدارة المركزية للإحصاء في لبنان حول تأثير الأزمة الاقتصادية على الأسعار، بما في ذلك الملابس والأحذية من ديسمبر 2018 إلى نوفمبر 2021، إلى أن التضخم بلغ 2146٪.
قال محمد شام الدين، الباحث في المعلومات الدولية ومقرها بيروت، لصحيفة ديجيتال نيوز الكندية: "أدى ارتفاع سعر صرف الدولار إلى إغلاق العديد من متاجر الملابس والأحذية في جميع أنحاء لبنان ولم تغلق العلامات التجارية العالمية أبوابها فحسب، بل أغلقت أيضًا الشركات الصغيرة في بيروت وطرابلس وصيدا، والتي كانت تستورد في البداية من الصين وكوريا منذ أكثر من 15 عامًا لأن وارداتها تكلف أقل وأرخص من الواردات الإيطالية والأمريكية والفرنسية في مجال الصيدلة والسلع الأخرى".
وأشار إلى أن "أكثر من 12 ألف محل لبيع الملابس والأحذية قد أغلقوا أبوابهم في لبنان، لا سيما تلك التي اضطرت لدفع الإيجار والرواتب للموظفين وتحول بعضهم إلى متاجر على الإنترنت لخفض نفقاتهم"، وتوقع شام الدين أن يزداد الوضع سوءًا، وإغلاق المزيد من المتاجر، وتسريح الموظفين في عام 2022.
في ظل هذه الأزمة ومعدلات الفقر المدقع، عادت مهن أخرى كادت أن تكون منسية إلى السوق، مما أتاح للكثير من الناس فرص عمل جديدة مثل الخياطة وتصليح الأحذية وهي من أهم المهن التي تم إحياؤها في لبنان في حين اعتاد المواطنون ذوو الدخل المنخفض على شراء السلع المصنوعة في الصين، لم يعد بإمكانهم تحمل تكاليفها ويتم إصلاح أحذيتهم وملابسهم القديمة، وقالت فاطمة التكريتي، خياطّة تستأجر متجراً صغيراً في سوق الخياطين في أفقر مدن لبنان، طرابلس: "إن الطلب الأكبر هو إصلاح السوستة والفساتين والمعاطف الشتوية ومطلوب بشدة ترقيع الجينز وغيره، خاصة بين الرجال، وقبل الأزمة، كان تغيير السوستة يكلفهم ما يصل إلى 5000 ليرة لبنانية، بما في ذلك تكلفة السوستة (500 إلى 1000 ليرة لبنانية، أي أقل من دولار واحد أما اليوم، فإن أرخص سوستة تكلف 5000 ليرة لبنانية يضاف إليها أجر العمل وهو 25 ألف ليرة لبنانية ونتيجة لذلك، فإن تغييرها الآن سيكلف ما لا يقل عن 30 ألف ليرة لبنانية في لبنان ويفضل المواطن دفع 30 ألف ليرة لبنانية لإصلاح ما لديه بالفعل بدلاً من دفع 200 ألف على الأقل (13 دولارًا في السوق السوداء اليوم) مقابل شراء قطعة ملابس جديدة".
وأضافت: "شاهدت في عام 2021 طلبًا من العملاء لم أره منذ ثلاث سنوات، فقد اعتاد المواطنون في السابق التخلص من البنطلونات أو الجاكيتات وشراء سراويل جديدة مستوردة من الصين بأسعار لا تتجاوز 10 دولارات للسراويل و15 دولارًا للسترة، لم يعد بإمكانهم تحمل تكاليفها اليوم"، وقالت التكريتي إن النساء يطلبن تعديلات في الملابس لبعض الأشياء مثل الفستان أو السترة التي حصلن عليها من سوق للسلع الرخيصة والمستعملة أو حصلن عليها كهدية.
وذكرت أمل الفتى، خياطّة استأجرت متجراً في شرقي بيروت: "إنّ معظم زبائنها رجال يريدون إصلاح سراويلهم الممزقة، والتي تتكلف ما بين 30 ألفاً و40 ألف ليرة لبنانية"، وأضافت أن الخيط يتكلف ما بين 7000 إلى 10000، بالإضافة إلى رسوم الخدمة ونفقات المحل بما في ذلك رسوم الإيجار والكهرباء، "أنا لا أكسب الكثير، لكني أعمل كثيرًا، ويأتي الكثير من الناس لتعديل ملابسهم، ويساوم بعض العملاء حول السعر؛ لهذا أطلب منهم شراء القطع بأنفسهم ويقتصر دوري على تركيبها بملابسهم".
الأمر نفسه ينطبق على الأحذية، اعتاد معظم اللبنانيين على شراء الأحذية الصينية بسعر 30 ألف ليرة لبنانية قبل عام 2019 (وهو ما يعادل 20 دولارًا). قال سالم وهبة، صاحب محل للأحذية في ضاحية الشياح ببيروت: "هذه الأحذية تباع اليوم بـ 250 ألف ليرة لبنانية، وقد تصل إلى 750 ألف ليرة لبنانية (15 دولارًا و25 دولارًا).
وتختلف الأسعار بين بيروت وعدد قليل من المدن الأخرى لأن الإيجارات والفواتير وتكاليف المعيشة الأخرى تختلف. الياس طعمه، صانع أحذية في عين الرمانة شرقي العاصمة، قال إن "إصلاح الأحذية الممزقة للرجال والنساء يكلف 40 ألف جنيه على الأقل (2 دولار)، بينما يصل سعر الكعب الجديد إلى 70 ألف جنيه. هذا السعر أرخص بكثير من شراء حذاء شتوي جديد، والذي يكلف 700 ألف جنيه (25 دولارًا) في أرخص متجر في بيروت".