على خطى أبيه.. لماذا يحرص زعيم تشاد الشاب على توطيد علاقته بالسيسي؟
خلال الأيام الأولى من العام الجديد، وصل محمد بن إدريس ديبي إتنو، رئيس المجلس العسكري الانتقالي التشادي، إلى القاهرة لإجراء محادثات مع الرئيس عبد الفتاح السيسي، وأثارت الزيارة تساؤلات حول دوافعها وانعكاساتها وطبيعة دور مصر في تشاد، وكتب ديبي على تويتر تغريدة يقول فيها: "تندرج هذه الزيارة الرسمية في إطار ديناميكي لتوطيد تعاوننا الثنائي، وتقوية أواصر الأخوة والصداقة، واستكشاف آفاق جديدة للشراكة"، كما غردت الرئاسة التشادية على موقع تويتر: "تشاد ومصر تعززان العلاقات والتعاون والصداقة راسخة منذ فترة طويلة"، مشيرة إلى أن الزيارة تهدف إلى تعزيز التعاون وترسيخ الصداقة مع القاهرة.
واستغرقت الزيارة يومين، وقال المتحدث باسم الرئاسة المصرية، بسام راضي، إن الرئيس السيسي استقبل ديبي، وناقش الجانبان سبل تعزيز التعاون الثنائي بين البلدين، لا سيما من خلال إعادة تنشيط اللجنة الثنائية المشتركة.
وسلطت صحيفة جلوبال نيوز الكندية الضوء على تأكيد السيسي حرص مصر على تقديم الدعم الكامل لتشاد خلال المرحلة الانتقالية الحالية وتهتم القاهرة باستمرار التعاون بين البلدين من أجل تطوير وصقل الكوادر التشادية في مختلف التخصصات، كما تحدث عن التعاون من أجل "تعظيم التعاون الأمني والاستخباراتي والعسكري لمواجهة تحدي الإرهاب والفكر المتطرف"، من جانبه أشاد ديبي بالعلاقات الوثيقة بين البلدين الشقيقين، مؤكدا حرص بلاده على تفعيل وتطوير التعاون الثنائي مع مصر.
وفي هذا السياق، أكد موقع المونيتور الأمريكي أن الزيارة هي خطوة ممتازة وتطور مطمئن في العلاقات المصرية التشادية، مضيفًا أن ديبي طلب التعاون على جميع المستويات ولا سيما في مجالات الأمن والاستخبارات لأن البلدين لهما عدوان مشترك: الإرهاب والفقر، كما أشار إلى أن مصر تسعى لتعزيز علاقاتها مع ديبي، خاصة وأن الفترة الانتقالية الحالية هي تشكيل الحكومة المقبلة في تشاد، التي تؤثر الأوضاع فيها على الأمن القومي المصري، وتؤمن القاهرة بدور نجامينا الأساسي في مكافحة الإرهاب وكبح نشاط الجماعات المسلحة المتطرفة في إفريقيا، بدءًا من بوكو حرام على المحيط الأطلسي، مروراً بمالي ومنطقة بحيرة تشاد، على طول الطريق ومخاطر داعش في الصومال على المحيط الهندي بالقرب من مدخل البحر الأحمر.
تغيرت سياسة مصر تجاه إفريقيا منذ وصول السيسي إلى السلطة عام 2014، وأصبح مدفوعا بتحسين صورتها وحماية مصالحها في القرن الأفريقي لتعزيز موقفها من قضية سد النهضة الإثيوبي الكبير. ومع ذلك، في منطقة الساحل والصحراء، ركزت على تعزيز التعاون الأمني والاستخباراتي وتقديم نفسها كنموذج لمكافحة الإرهاب، هذا هو السبب في أن الوفاة المفاجئة للأب إدريس ديبي في أبريل 2021 نتيجة الإصابات التي أصيب بها في معركته ضد المتمردين، أثارت مخاوف القاهرة منذ أن كان حليفًا وثيقًا لمصر، وصعد ديبي الشاب منذ ذلك الحين إلى السلطة وتعهد بإجراء انتخابات حرة وإقامة حياة ديمقراطية في ختام فترة انتقالية استمرت 18 شهرًا.
في غضون ذلك، يبدو أنه يسير على خطى والده في توطيد علاقته بالسيسي، وقال الصحفي والمحلل السياسي التشادي جبرين عيسى للمونيتور": "من الواضح أن ديبي يسعى للحصول على دعم القاهرة في حال خوض الانتخابات المقبلة"، وأضاف: "ديبي ينظر إلى مصر كلاعب محوري في استقرار تشاد، بسبب نفوذها السياسي والاقتصادي في إفريقيا والعالم العربي وتأثير السياسة المصرية على دول جوار تشاد مثل السودان وليبيا".
قال رولاند لومباردي، المؤرخ المتخصص في شؤون الشرق الأوسط (على وجه التحديد مصر) والمحلل الجيوسياسي المستقل في مؤسسة فيلدميديا، إن هذه كانت زيارة مهمة للغاية للزعيم التشادي. "يُظهر هذا أولاً وقبل كل شيء الدور الدبلوماسي المتزايد للرئيس السيسي، حيث أصبح ضروريًا كعنصر فاعل رائد، ووسيط، وميسر للعلاقات الخارجية وحتى صانع سلام في العديد من القضايا في الشرق الأوسط (على سبيل المثال الصراع الإسرائيلي الفلسطيني على وجه الخصوص في غزة وحتى في سوريا) وكذلك في أفريقيا (أي السودان وتشاد)"، وأضاف: "نجح السيسي في استعادة مكانة مصر القوية على الساحة الدولية".
وتأتي زيارة ديبي للقاهرة بعد أيام قليلة من إعلانه عن "حوار وطني شامل" مقرر في 15 فبراير لتحقيق المصالحة في بلاده وتمهيد الطريق لانتخابات رئاسية وتشريعية، وفي أغسطس 2021، شكل ديبي لجنة فنية خاصة من الشخصيات السياسية للحوار مع الحركات السياسية والعسكرية وفي نوفمبر 2021، أمر بالعفو عن مئات المعارضين السياسيين حتى يتمكنوا من المشاركة في عملية الحوار الوطني، كما سمح ديبي لأحزاب المعارضة بعقد اجتماعات بالتزامن مع استمرار الحكومة الانتقالية في عقد مؤتمرات لتعزيز الحوار المقبل وتشجيع المشاركة فيه.
في خطاب ألقاه أمام الشعب بمناسبة العام الجديد في 31 ديسمبر، قال ديبي إن الحوار القادم سيكون "حوارًا سياديًا بدون محرمات" وأن كل ما يخلص إليه "سيتم تنفيذه بالكامل". في نهاية هذا الحوار، "ستتم الموافقة على دستور جديد من خلال استفتاء، وسيتم تنظيم انتخابات عامة شفافة وحرة وديمقراطية وذات مصداقية"، وتريد الحكومة الانتقالية التشادية من السيسي التوسط من أجل حث الحركات المسلحة والأحزاب في المنفى على التفاوض مع الحكومة الانتقالية في مؤتمر الحوار الوطني الذي ستستضيفه الدوحة في فبراير.