مودرن دبلوماسي: وجود القوات الأمريكية في الشرق الأوسط يزعج روسيا والصين
هناك العديد من التداعيات المحتملة لاستمرار الوجود الأمريكي في الشرق الأوسط، مع تأثيرات مباشرة على كل من الصين وروسيا.
هنا تتمثل أهم أولويات الإدارة الأمريكية الجديدة في الشرق الأوسط في تصفير مشكلات المنطقة للتفرغ لمنافسي الولايات المتحدة الرئيسيين، من خلال التفاوض على البرنامج النووي الإيراني، الذي يهدد أمن إسرائيل ويزعزع استقرار المنطقة، حسب المخاوف الأمريكية والإسرائيلية، وتعزيز اتفاقيات السلام المبرمة بين العرب وإسرائيل، وإنهاء حربي اليمن وليبيا، وتعزيز أوضاع حقوق الإنسان.
في المقابل هناك تداعيات للوجود الأمريكي على المصالح الصينية والروسية تتمثل في استمرار الضغط الأمريكي على الشركاء العرب وإسرائيل لتقييد علاقاتهم مع روسيا والصين، وسيظهر ذلك بشكل خاص في مجالات الدفاع والأمن، والفضاء الإلكتروني، والذكاء الاصطناعي، والطاقة النووية.
كما أنه من المتوقع تراجع في مستوى العلاقات العسكرية بين الولايات المتحدة الأمريكية والخليج العربي والمنطقة بشكل عام، والذي يأتي نتيجة تراجع مستوى مبيعات الأسلحة في عهد الرئيس جو بايدن.
وهنا، ستواجه إدارة بايدن صراعًا بين جناحين، وفقًا لمجلة مودرن دبلوماسي؛ الجناح اليساري للحزب الديمقراطي: الذي يسعى إلى إنهاء جميع مبيعات الأسلحة التي لن تؤثر على منطقة الشرق الأوسط فحسب، بل ستؤثر أيضًا سلبًا على الشركاء الآخرين، مثل اليابان وتايوان، والجناح المعتدل للحزب الديمقراطي: يمثله الرئيس جو بايدن على المستوى الشخصي، الذي يدرك أنه ليس من المعقول إنهاء أو إيقاف أو حظر مبيعات الأسلحة الأمريكية، مع تداعياتها السلبية التي قد تؤدي إلى تدهور اقتصادي حاد، وأضرار كثيرة لقطاع المبيعات العسكرية الأمريكية، كقطاع بارز واستراتيجي مصاب بالشلل، مما يؤثر سلبًا على الأمن القومي للولايات المتحدة نفسه.
ويواجه الرئيس الأمريكي جو بايدن تحديات وتغييرات غير مسبوقة في السياسة الأمريكية في الشرق الأوسط، لا سيما تلك التي أقرتها "صفقة القرن" والتي أثارت انتقادات ليس فقط من الجانب الفلسطيني والعربي، ولكن أيضًا من الشركاء الأوروبيين، وملفات ساخنة أبرزها قضية نقل السفارة الأمريكية إلى القدس، وقضية الاستيطان وضم مناطق واسعة من الضفة الغربية لإسرائيل، إضافة إلى ضم هضبة الجولان السورية لإسرائيل، وترى الإدارة الجديدة على الأقل أن السفارة الأمريكية ستبقى في القدس.
وأبرز الانعكاسات الجديدة المحتملة للوجود الأمريكي في الشرق الأوسط لا تزال قائمة، كما يتضح في الدور الإسرائيلي في التمركز الجديد للقوات الأمريكية في شمال وشرق إفريقيا، بعد نقل مقر قوات "أفريكوم" من شتوتجارت الألمانية إلى إفريقيا إلى جانب نجاح إدارة بايدن ووزارة الدفاع البنتاجون في توقيع اتفاقيتي شراكة عسكرية مع المغرب وتونس تمتد لعشر سنوات، كما يعود الفضل إلى إدارة بايدن في نجاحه في تحقيق التقارب بين المملكة المغربية وإسرائيل، وبالتالي تعزيز نفوذ الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل في منطقة شمال إفريقيا من خلال الأراضي المغربية، والتي عززت دور المغرب كحليف رئيسي لإدارة بايدن من خارج الناتو، من خلال الاتفاقات العسكرية، وتجديد معداتها ومقتنياتها من الأسلحة الأمريكية، واعتبار المغرب شريكًا رئيسيًا في محاربة الإرهاب في القارة الأفريقية.
وعلى الرغم من التقارب المغربي الأمريكي في عهد بايدن، فقد ترجم إلى تراجع وتوتر شديد على مستوى العلاقات الأمريكية الجزائرية، بسبب حصول المغرب على الاعتراف الرسمي الأمريكي بالسيادة المغربية على مناطق الصحراء الغربية التي تخوض صراعًا مع الجزائر منذ سنوات، ودعم الجانب الأمريكي للمبادرة المغربية التي طرحها لتسوية الصراع مع جبهة البوليساريو على أساس حكم ذاتي ممتد، يشار إلى أن الموقف الأمريكي يدعم المغرب، من خلال اعتماد واشنطن خريطة جديدة للمغرب تشمل الأراضي المتنازع عليها مع الجزائر، وهذه الخريطة صادرة رسمياً عن السفارة الأمريكية في المغرب وتم اعتمادها أيضاً على الموقع الرسمي لحلف الناتو، الأمر الذي أدى إلى غضب الجانب الجزائري.
ومن المفهوم أن التغيير السياسي الجديد لإدارة بايدن في الشرق الأوسط هو تغيير أسلوب إدارة الأزمات والقضايا الدولية من "النهج الأحادي" الذي تبناه الرئيس السابق ترامب لمنهج مختلف قائم على أساس الشراكة مع الحلفاء التي اعتمدها بايدن في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا والخليج العربي.