الجمعة 27 سبتمبر 2024 الموافق 24 ربيع الأول 1446
رئيس التحرير
شيماء جلال
عاجل

مبيعات الطائرات بدون طيار تعرض مغامرات تركيا في إفريقيا للخطر

الرئيس نيوز

في خطابه أمام عدد من المسؤولين الأفارقة الأسبوع الماضي، تفاخر أردوغان بأنه أجرى 50 زيارة إلى 30 دولة أفريقية منذ عام 2004 ضمن جهود أنقرة لتوسيع وتعزيز العلاقات مع القارة السمراء وأشار إلى أن حجم تجارة تركيا مع إفريقيا ارتفع إلى 25.3 مليار دولار العام الماضي، مقارنة بـ 5.4 مليار دولار فقط في عام 2003، وهو أول عام كامل يتولى فيه حزب العدالة والتنمية السلطة، وفي الأشهر الأحد عشر الأولى من عام 2021، ارتفع الرقم إلى 30 مليار دولار.

قال أردوغان إن الاستثمارات التركية في إفريقيا بلغت 6 مليارات دولار، وتوظف الشركات التركية نحو 25 ألف شخص في القارة وفي غضون ذلك، تولى المقاولون الأتراك 1.686 مشروعًا بقيمة 78 مليار دولار وفيما يتعلق بالتواصل الدبلوماسي، ارتفع عدد السفارات التركية في إفريقيا إلى 42 سفارة من 12 في عام 2005، بينما وصل عدد السفارات الأفريقية في أنقرة إلى 37 سفارة من 10. وقد استفاد أكثر من 14000 طالب أفريقي من المنح الدراسية التركية.

في إشارة إلى ما يحفز علاقاتهم المتنامية مع تركيا، شددت الضيوف الأفارقة على مبادئ الاحترام المتبادل والمكاسب المتبادلة، وامتثال الشركات التركية للمعايير والتعاون الموجه نحو النتائج، وركزت تركيا على التبادلات التجارية والمساعدات الإنسانية في توسيع علاقاتها مع الدول الأفريقية ولكن في الآونة الأخيرة، بدأت العلاقات تكتسب طابعًا عسكريًا بما يتماشى مع طموحات أردوغان لتكثيف صناعة الدفاع التركية وإيجاد سوق لمنتجات تركيا العسكرية، وعلى عكس القمتين الأولين بين تركيا وأفريقيا في عامي 2008 و2014، فقد انعقد المؤتمر الثالث في ظل حقيقة أن الطائرات التركية بدون طيار تشق طريقها إلى إفريقيا.

ويؤكد الكاتب الصحفي التركي فهيم تستكين أن تسويق طائرات بيرقدار تي بي 2 المسلحة بدون طيار - التي تنتجها شركة بايكار، وهي شركة مملوكة لعائلة صهر أردوغان سلجوق بيرقدار – يتم تسويها على جميع المنصات بعد عرضها الذي تم الترويج له في سوريا وليبيا وناجورنو كاراباخ، كما لفت تستكين إلى أن المزيد والمزيد من الوفود الأفريقية تأتي لزيارة شركات الدفاع التركية إلى جانب أذربيجان وقيرغيزستان وبولندا وقطر وأوكرانيا وتركمانستان، ووفقًا لصحيفة نبض تركيا فإن دولًا أفريقية مثل الجزائر وإثيوبيا والمغرب والنيجر ورواندا وتونس قد اهتمت بالطائرات التركية بدون طيار.

كان تسويق الطائرات بدون طيار عنصرًا رئيسيًا في جولة أردوغان في أنجولا وتوجو ونيجيريا في أكتوبر الماضي وقال أردوغان في 21 أكتوبر بعد مكالمة هاتفية مع رئيس النيجر: "حتى في إفريقيا، طلبوا طائرات بدون طيار ويطلبون الطائرات بدون طيار المسلحة أينما ذهبت"، قال أردوغان إن تركيا ستزود النيجر بطائرات بدون طيار من طراز تي بي 2 وطائرات تدريب ومركبات مدرعة.

وفقًا لوكالة الأنباء الفرنسية، أنشأت تركيا شبكة من 37 مكتبًا عسكريًا في جميع أنحاء إفريقيا بما يتماشى مع هدف أردوغان المتمثل في مضاعفة حجم التجارة السنوية مع القارة ثلاث مرات إلى 75 مليار دولار ويرى الخبراء أن مجال الأمن هو المرحلة التالية من علاقة تركيا المزدهرة مع إفريقيا، مع "مجموعة من القادة الأفارقة الذين يتطلعون إلى شراء معدات عسكرية بأسعار أرخص وبشروط أقل"، وفقًا لتقارير وكالة فرانس برس.


وأكدت التحليلات التي نشرها مركز الأبحاث الموالي للحكومة قبل القمة التركية الأفريقية الأخيرة أيضًا على التحول إلى مجال الدفاع، بحجة أن علاقات تركيا مع إفريقيا تكتسب بُعدًا استراتيجيًا، ويرجح إبراهيم بشير عبد الله، الباحث في جامعة بايرويت الألمانية، على سبيل المثال، أن "سياسة تركيا تجاه إفريقيا تتوسع بشكل متزايد في مجال الدفاع والأمن مع نمو صناعة الدفاع والأسلحة، وتنظر تركيا الآن إلى إفريقيا كسوق محتمل لصناعة الدفاع مع وجودها العسكري في الصومال وليبيا وتطوير أسلحتها وصناعاتها الدفاعية والطيران، تضع تركيا نفسها كلاعب استراتيجي قادر على التأثير في العبة السياسية في القارة التي طالما هيمن عليها الغرب وكان الأمن والدفاع في قلب التعاون بين تركيا والدول الأفريقية.

يشير زين العابدين جبريل، الباحث في جامعة ولاية أداماوا النيجيرية، إلى أن انفتاح تركيا على إفريقيا استند بشكل أساسي إلى الحوار والشراكة  وأدوات القوة الناعمة التي يتم تعزيزها من خلال العلاقات الاجتماعية والثقافية والاقتصادية. ومع ذلك، يشير إلى أن تركيا "استخدمت أيضًا القوة الخشنة لتعزيز وحماية مصالحها الأفريقية، مضيفًا أن التأسيس المحتمل لقاعدة عسكرية تركية في النيجر "يمكن أن يعزز نفوذ تركيا في ليبيا وموقفها ضد منافسيها في حوض البحر المتوسط.

ولكن تستكين يؤكد أنه من الممكن أن تؤدي الرؤية العسكرية المتزايدة لتركيا في إفريقيا إلى مضاعفة خصومها الإقليميين، وقد تؤدي هذه الدوامة من الإجراءات المضادة إلى توريط تركيا في صراعات إقليمية وحتى الآن، ساعد نهج القوة الناعمة لتركيا في تجنب مثل هذه المواقف، لكنه المخاطر تهدد نجاح تركيا من بوابة توسيع مبيعات الطائرات بدون طيار.

وتابع تستكين: "إذا حكمنا من خلال اللهجة المبتهجة للصحافة المحلية التي تسيطر عليها الحكومة، يبدو أن أنقرة قلقة من العواقب الوخيمة المحتملة لعسكرة العلاقات مع الدول الأفريقية، ففي الأسبوع الماضي، أشادت صحف مثل وطن وأقسام ويني شفق  بدور طائرات بيرقدار في الحرب الأهلية في إثيوبيا، زاعمة أن أديس أبابا تعتزم شراء المزيد من تلك الطائرات ووفقًا للصحف، فإن الطائرات التركية بدون طيار "قلبت الميزان" لصالح القوات الحكومية، وأثبتت فعاليتها في وقف تقدم قوات تيجراي والحصول على معلومات استخبارية استراتيجية كما نشرت صحيفة يني شفق  اليومية تغريدة على نفس المنوال، وجذبت تعليقات انتقادية من المستخدمين الأتراك الذين رأوا أن الأطراف المتحاربة قد تصنع السلام يومًا ما، لكنهم تساءلوا عما إذا كان المواطنون الأتراك الذين يقومون بأعمال تجارية في إثيوبيا سيظلون قادرين على زيارة البلاد بأمان وقامت الصحيفة لاحقًا بحذف التغريدة.

ووقعت تركيا وإثيوبيا اتفاق تعاون عسكري في أغسطس عندما زار رئيس الوزراء الإثيوبي أنقرة وأعقبت الزيارة تقارير تفيد بأن إثيوبيا تلقت ستة من 13 طائرة بدون طيار من طراز تي بي 2 كانت قد طلبتها من تركيا. وفقًا للصحافة الإثيوبية، فإن نجاح الجيش في صد متمردي تيغراي في مناطق معينة يرجع إلى استخدامه المتزايد للطائرات بدون طيار، بما في ذلك تي بي 2 وكذلك طائرات المهاجر الإيرانية الصنع وطائرات ونج لونج الصينية الصنع. وبالمثل، لفتت صحيفة يوراسيان تايمز  ومقرها نيودلهي أنه وسط عدم رغبة الولايات المتحدة في مشاركة التكنولوجيا المتقدمة، فإن الصين وتركيا "سارعتا لملء الفراغ" وهذا "أظهر نتائج في ساحة المعركة الإثيوبية ووجهت ضربات حاسمة إلى قوات تيجراي".

وأودت الحرب في تيجراي بحياة الآلاف وأجبرت ما لا يقل عن مليوني شخص على النزوح وحرصًا على بيع الطائرات بدون طيار، لم يربط أردوغان بأي شروط إنسانية أو قانونية لاستخدامها، وتؤدي الحرب في تيغراي حتماً إلى ضغوط دولية على تركيا وتثير تساؤلات حول دور تركيا في مستقبل إثيوبيا.

يلفت مورسل بيرم، الخبير التركي في شؤون إفريقيا، الانتباه إلى مثل هذه المخاطر في تقرير مهم أكد أن بيع الطائرات بدون طيار التركية إلى المغرب يؤثر على العلاقات التركية الجزائرية وبالمثل، فإن الاستخدام المزعوم للطائرات بدون طيار التركية لقمع تيجراي يخلق تصورًا بأن تركيا تتدخل في الحرب الأهلية في إثيوبيا ودعا بيرم وسائل الإعلام التركية إلى تجنب التهويل القومي في النشر عن مبيعات الأسلحة التي لم يتم تأكيدها رسميًا، وخلافًا لذلك، يحذر من أن "مخاطر التعاون في صناعة الدفاع يمكن أن تحيد القوة الناعمة التي تم تحقيقها من خلال التعاون الإنمائي". ومع ذلك، ينبغي للمرء أن يلاحظ أنه ليس الصحافة ولكن أردوغان نفسه كان المعلن الرئيسي للطائرات بدون طيار، حيث كان يتحدث عنها في كل فرصة.

تشير الإحصاءات المتاحة إلى زيادة كبيرة في صادرات الدفاع والطيران وفقًا لجمعية المصدرين الأتراك، سجلت صادرات صناعتي الدفاع والطيران أعلى مستوى لها على الإطلاق بلغ 2.8 مليار دولار في أول 11 شهرًا من العام، بما في ذلك مبيعات بقيمة 94.6 مليون دولار لإثيوبيا و 82.8 مليون دولار إلى المغرب، ارتفاعًا من 235 ألف دولار. و 402.000 دولار على التوالي في نفس الفترة من العام الماضي وشكلت الصادرات الدفاعية 1.4٪ من إجمالي الصادرات التركية. في يوليو، أبرمت شركة كاتميرشيلر صفقة بقيمة 91.4 مليون دولار مع كينيا مقابل 118 مركبة مصفحة، وعلى الرغم من خطواتها الكبيرة في إفريقيا، لا تزال تركيا متأخرة عن الثقل العالمي على الجبهتين الاقتصادية والدبلوماسية، فالصين، على سبيل المثال، تفتخر بحجم تجارة يزيد عن 200 مليار دولار مع القارة، إلى جانب استثمارات يبلغ مجموعها 360 مليار دولار، أما على صعيد اتساع الشبكات الدبلوماسية، فتحتل تركيا المرتبة السادسة بعد الصين والولايات المتحدة وفرنسا واليابان وروسيا.