الجمعة 22 نوفمبر 2024 الموافق 20 جمادى الأولى 1446
رئيس التحرير
شيماء جلال
عاجل
تقارير

الغلاء طال كل شيء.. هل يسير أردوغان باقتصاد تركيا في الاتجاه الخطأ؟

الرئيس نيوز

رصدت صحيفة نيويورك تايمز في تقرير نشرته اليوم العلامات الكارثية التي ‏طالت الاقتصاد التركي في كافة جنباته، واصطفاف الطوابير الطويلة ‏خارج أكشاك الخبز المخفضة، علاوة على ارتفاع أسعار الأدوية والحليب بل ‏وأبسط المنتجات مثل ورق التواليت وأغلقت بعض محطات الوقود أبوابها بعد ‏نفاد مخزونها وبالتالي اندلعت نوبات الغضب في الشوارع.

وقال اتحاد نقابات ‏العمال التقدمي الشهر الماضي: "البطالة، وارتفاع تكاليف المعيشة، الزيادات في ‏الأسعار، والفواتير تقسم ظهورنا"، وحتى قبل أن تبدأ جائحة فيروس كورونا ‏واختناقات سلسلة التوريد في إعاقة اقتصادات العالم منذ ما يقرب من عامين، ‏كانت تركيا تحاول تجنب الركود حيث كانت تكافح مع الديون المتراكمة ‏كالجبال، والخسائر الفادحة في قيمة الليرة التركية، وارتفاع التضخم  لكن في ‏الأسابيع الأخيرة، تسارعت حركة حطام القطار البطيء بقوة شديدة والقدم التي ‏تدفع بقوة على دعسة البنزين تعود إلى الرئيس رجب طيب أردوغان.‏

لماذا يحدث هذا الآن؟

كشف التقرير أن المشاكل الاقتصادية في تركيا لها جذور عميقة، لكن الأزمة ‏الأخيرة كانت ناجمة عن إصرار أردوغان على خفض أسعار الفائدة في مواجهة ‏التضخم المتسارع - وهو بالضبط التكتيك المعاكس لما يصفه الاقتصاديون ‏عالميًا تقريبًا ومعاكس لكافة توصيات الخبراء، ولطالما قاوم أردوغان، الذي ‏حكم تركيا لمدة 18 عامًا، هذه الوصفة المؤلمة بشكل خاص، لكن يبدو أن ‏تصميمه على الاستمرار في خفض أسعار الفائدة حتى مع ارتفاع معدل التضخم ‏في البلاد إلى 21٪ مذهل يدفع تركيا إلى ما وراء نقطة التحول.‏

عادة، يتطلع المستثمرون وغيرهم إلى البنك المركزي للدولة لإبقاء التضخم تحت ‏السيطرة وتحديد أسعار الفائدة ولكن أردوغان أظهر مرارًا وتكرارًا أنه إذا لم ‏يفعل محافظو البنوك المركزية ووزراء المالية في تركيا ما يريد، فسوف ‏يتخلص منهم، بعد أن طرد ثلاثة منهم بالفعل في غضون عامين، وبالتالي ‏تراجعت قيمة الليرة في الأسابيع الأخيرة، ووصلت يوم الاثنين إلى مستوى ‏قياسي منخفض - بلغ 14.3 للدولار، مقارنة بحوالي 7 ليرة للدولار في وقت ‏سابق من هذا العام - مما دفع بعض الشركات والأسر التي اقترضت الأموال من ‏الخارج إلى الإفلاس فالانخفاض الحاد في العملة يعني استمرار ارتفاع أسعار ‏السلع المستوردة. ‏

ومع اقتراب الانتخابات في غضون 18 شهرًا، يبدو أن أردوغان مقتنع بأن ‏استراتيجيته ستمكّن الاقتصاد التركي من الخروج من مشاكله ومع ذلك، يقول ‏معظم الاقتصاديين إن الانهيار هو الأرجح.‏

متى بدأت مشاكل تركيا الاقتصادية؟

عملت استراتيجيات أردوغان القوية المؤيدة للنمو لصالحه من قبل، ومنذ أن بدأ ‏حكم تركيا في عام 2003، تولى تنفيذ مشاريع بنية تحتية باهظة الثمن، وتودد ‏إلى المستثمرين الأجانب وشجع الشركات والمستهلكين على تحميل الديون ودفع ‏النمو لأعلى، وقال قدري تاستان، الزميل البارز في صندوق مارشال الألماني ‏ومقره بروكسل: "كانت تركيا تُعتبر معجزة اقتصادية" خلال العقد الأول من ‏حكم أردوغان وضربت المثل في القضاء على الفقر لفترة مؤقتة، ولكن دفع ‏أردوغان الحثيث للتوسع أصبح غير مستدام وبدلاً من التراجع، استمر الاقتراض ‏المتهور، إلى أن وقع الاقتصاد غير المستقر بشكل متزايد في مأزق، وجذبت ‏أسعار الفائدة المرتفعة المستثمرين الأجانب لقبول المخاطرة والاستمرار في ‏الإقراض، لكنها ستعيق النمو ولم يكن أردوغان على استعداد لقبول هذه ‏المقايضة، واستمر في دعم الاقتراض الرخيص مع ارتفاع التضخم وانخفاض ‏قيمة العملة.‏

ويصر على أن أسعار الفائدة المرتفعة تسبب التضخم - على الرغم من أن أسعار ‏الفائدة المنخفضة هي التي تضع المزيد من الأموال قيد التداول، وتشجع الناس ‏على الاقتراض والإنفاق أكثر والحد من ارتفاع الأسعار، وقال هنري باركي، ‏زميل مجلس العلاقات الخارجية: "لدى أردوغان فلسفته الاقتصادية الخاصة"، ‏وقد تأرجح الاقتصاد بين هذه الأهداف المتضاربة حتى عام 2018 عندما تسببت ‏التوترات السياسية المتزايدة بين تركيا والولايات المتحدة في انهيار قيمة الليرة.‏

خفت حدة المواجهة السياسية، لكن المشاكل الاقتصادية الأساسية ظلت قائمة. ‏واصل أردوغان الضغط على البنوك الحكومية لتقديم قروض رخيصة للأسر ‏والشركات واستمر جنون الاقتراض. قال سيلفا ديميرالب، الخبير الاقتصادي في ‏جامعة كوج في اسطنبول: "لم يتم تطبيع الأمور في الواقع"، وعندما قاوم رئيس ‏البنك المركزي ضغوط الرئيس لخفض سعر الفائدة البالغ 24٪ في عام 2019، ‏أقاله أردوغان، ومن أجل دعم الليرة، بدأت البنوك التركية في بيع احتياطياتها ‏من الدولارات وهذه المخزونات من الدولارات تنخفض الآن.‏

أدى التباطؤ الاقتصادي العالمي الناجم عن جائحة فيروس كورونا إلى زيادة ‏الضغوط من خلال الحد من مبيعات البضائع التركية حول العالم. كما تضررت ‏السياحة، التي كانت أحد أكثر القطاعات ديناميكية في تركيا، بشدة.‏

ما هو نهج أردوغان لأسعار الفائدة وماذا يقول الاقتصاديون؟

من خلال الإبقاء على أسعار الفائدة منخفضة، يعتقد أردوغان أن المستهلكين ‏سيكونون أكثر حماسًا لمواصلة التسوق، من خلال الإبقاء على أسعار الفائدة ‏منخفضة، يجادل أردوغان بأن المستهلكين سيكونون أكثر حرصًا على مواصلة ‏التسوق وأن الشركات ستكون أكثر ميلًا للاقتراض واستثمار الأموال في ‏الاقتصاد وتوظيف العمال، ويقول إنه إذا فقدت الليرة قيمتها مقابل الدولار، فإن ‏صادرات تركيا ستصبح أرخص ببساطة وسيرغب المستهلكون الأجانب في ‏شراء المزيد، وهذا صحيح إلى حد ما - لكنه يأتي بتكلفة باهظة، فتعتمد تركيا ‏اعتمادًا كبيرًا على الواردات مثل قطع غيار السيارات والأدوية، وكذلك الوقود ‏والأسمدة والمواد الخام الأخرى، وعندما تنخفض قيمة الليرة، تزداد تكلفة شراء ‏هذه المنتجات.‏

في الوقت نفسه، أثار ازدراء أردوغان للنظرية الاقتصادية التقليدية مخاوف ‏بعض المستثمرين الأجانب، الذين كانوا حريصين على إقراض الشركات التركية ‏بمئات الملايين من الدولارات ولكنهم الآن يفقدون الثقة في العملة، وكلما ‏انخفضت المعدلات، ارتفع معدل التضخم بشكل أسرع، وخلال العام الماضي، ‏فقدت الليرة أكثر من 45٪ من قيمتها، وارتفع معدل التضخم الرسمي إلى ما ‏يزيد عن 20٪، رغم أن العديد من المحللين يعتقدون أن المعدل في الشوارع ‏أعلى من ذلك بكثير.‏

وبالمقارنة، فإن معدل التضخم البالغ 6.8٪ حتى الآن هذا العام في الولايات ‏المتحدة (الأعلى منذ ما يقرب من أربعة عقود) ومعدل 4.9٪ في منطقة اليورو ‏كافيان لإطلاق الإنذارات، في تركيا، يتسبب الارتفاع الهائل في الأسعار في ‏البؤس بين الفقراء وإفقار الطبقة الوسطى.‏

قالت المواطنة ميهريبان أصلان للتايمز، بينما كانت تنتظر في طابور طويل ‏لشراء الخبز في حي سلطان غازي في اسطنبول: "لا يمكننا كسب العيش". ‏‏"زوجي يبلغ من العمر 60 عامًا، ولا يمكنه العمل كثيرًا الآن ولديه معاش ‏تقاعدي صغير قدره 1800 ليرة - والذي يساوي في الوقت الحالي حوالي 125 ‏دولارًا. قالت: "أحيانًا أقوم بأعمال إبرة في المنزل لكسب اي أموال إضافية". ‏وتفضل الشركات تخزين البضائع على بيعها لأنهم لا يعتقدون أنهم سيكونون ‏قادرين على شراء المزيد من البضائع إذا نفدت.‏

اشتكى إسماعيل أرسلنتورك، 22 عامًا، الذي يعمل أمين خزينة في متجر بقالة ‏في الحي، من أن سعر العدس قد تضاعف تقريبًا وقال أرسلانتورك "لا أعتقد أن ‏الاقتصاد سيتوقف عن التدهور عند هذه النقطة"، مضيفًا أنه أجبر على ترك ‏المدرسة الثانوية للمساعدة في إعالة أسرته، وعلق "إنها حالة ميؤوس منها".‏

ماذا كان رد أردوغان على الأزمة المتصاعدة؟

ضاعف الرئيس التركي من نهجه، مؤكدًا أنه لن "يتنازل أبدًا" عن معارضته ‏لارتفاع أسعار الفائدة وقال في مقابلة على التلفزيون الوطني الشهر الماضي ‏‏"أسعار الفائدة تجعل الأغنياء أكثر ثراء والفقراء أفقر، لقد منعنا بلدنا من أن ‏يسحق بهذه الطريقة"، في إشارة لتحريم الربا وأشار إلى رسوم الفائدة على ‏القروض على أنها "أم وأب كل شر"، وألقى باللوم على التدخل الأجنبي في ‏ارتفاع الأسعار وقال محللون مثل باركي من مجلس العلاقات الخارجية إن مثل ‏هذه التعليقات تهدف في المقام الأول إلى جذب المزيد من الشرائح الدينية ‏المحافظة في البلاد والتي تمثل جوهر الكتلة التي تدعم أردوغان من الناخبين، ‏ويؤكد باركي أن مشكلة تركيا الأساسية هي أن لديها حاكمًا واثقًا جدًا من نفسه ‏وكان في السلطة لفترة طويلة وقال باركي: "إنه يؤمن بقدرته المطلقة ويرتكب ‏الأخطاء، لكنه محاط برجال يوافقون على كافة قراراته ولا يمكن لأحد أن ‏يتحداه".‏