بعد فشل بايدن وترامب وأوباما.. كيف نجح كينيدي في معالجة حرب اليمن؟
في السنوات الأخيرة، واجه 3 رؤساء أمريكيين، باراك أوباما ودونالد ترامب وجو بايدن، أزمة في اليمن تتمحور حول تدخل عسكري ضد جماعة متمردة راديكالية تسيطر على مناطق بشمال اليمن.
وكان جون إف كينيدي أول رئيس أمريكي يواجه أزمة دولية خطيرة في اليمن، حيث تزامنت فعليًا في نفس الوقت الذي واجه فيه أزمة الصواريخ الكوبية مع الاتحاد السوفيتي والغزو الصيني للهند في خريف عام 1962، وفعل كينيدي شيئًا ما نادر جدًا في تعامل أمريكا مع اليمن، وتجاهل بعض النداءات لدعم حرب أطراف إقليمية في اليمن وسعى بدلاً من ذلك إلى أن يكون صانع سلام وقدمت سياسة كينيدي بديلاً هامًا للنهج الفاشل لإدارات أوباما وترامب وبايدن في السنوات الست الماضية.
ففي أواخر الخمسينيات وأوائل الستينيات من القرن الماضي، كانت المملكة اليمنية عالقة بشكل متزايد في الاضطرابات السياسية التي تجتاح الشرق الأوسط، وطوال فترة الحرب الباردة، تم تقسيم دولة اليمن الحديثة إلى شمال اليمن، تتمحور حول صنعاء ومحور هذا المقال، وجنوب تتمحور حول ميناء عدن، الذي سيطر عليه البريطانيون في الستينيات والشيوعيون.
وفي قلب الأحداث كان الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، الذي قاد ثورة مصر عام 1952 التي أطاحت بالنظام الملكي وأصبح رئيسًا في عام 1954 وأسس نظامًا قوميًا تقدميًا أطاح بالبريطانيين وأمم قناة السويس وقاتل إسرائيل وبريطانيا العظمى وفرنسا في عام 1956، وأيد القومية العربية من المغرب الى عمان.
في عام 1958 اتحدت سوريا مع مصر لتشكيل الجمهورية العربية المتحدة وبدا حلم العروبة في متناول اليد، وانضمت الجمهورية العربية المتحدة أيضًا إلى الاتحاد السوفيتي واشترت أسلحة من السوفييت، وهذا ما أدخل الحرب الباردة في المنطقة.
في عام 1957، وعد الرئيس الأمريكي دوايت أيزنهاور بمساعدة أي دولة تتعرض لتهديد من الشيوعية، وفي عام 1958، بعد اندماج الجمهورية العربية المتحدة، تولى كينيدي منصبه عازمًا على التعامل مع القومية العربية كظاهرة كان على أمريكا العمل معها وليس محاربتها، فكان قبل توليه الرئاسة أول سناتور أمريكي يدعو إلى استقلال الجزائر ويطالب الولايات المتحدة بالتوقف عن دعم الجيش الفرنسي الذي يحاول قمع حركة الاستقلال وفي منصبه.
تواصل كينيدي مع عبد الناصر وأشركه في سلسلة طويلة من الرسائل حول الشرق الأوسط، في محاولة لتطوير حوار مفيد. ونشر مركز بروكنجز للدراسات صور لرسالة من الرئيس جون كينيدي إلى الرئيس الراحل جمال عبد الناصر بتاريخ 24 يناير 1962، وسلط تقرير بروكينجز الضوء على منهجية كنيدي، التي توصلت في نهاية المطاف إلى تهدئة الأوضاع في اليمن، فقد أقنع مصر بسحب مستشاريها من اليمن، لكن السوفييت ظلوا هناك، وكان كينيدي يراقب الوضع عن كثب.
قدمت له وكالة المخابرات المركزية ملخصًا مكتوبًا يوميًا لمعلوماتها الاستخباراتية فائقة السرية تسمى قائمة مراجعة استخبارات الرئيس التي عُرفت لاحقًا باسم موجز الرئيس اليومي، وهيمنت ثلاث قصص: كوبا والهند واليمن على اهتمامات الرئيس الأمريكي السابق وأخبرت المخابرات كينيدي في 2 أكتوبر 1962 أن "حرب أهلية تتشكل في اليمن، وقاد مباحثات مطولة مع عبد الناصر والملك حسين العاهل الأردني، والديوان الملكي في السعودية ورئيس الجمهورية اليمنية الآن، وحث الجميع فيها على تسوية دبلوماسية، وضمن خطة كينيدي، وافق عبد الناصر على سحب قواته من اليمن بينما توقف السعوديون والأردنيون عن دعمهم للمتمردين الملكيين ورفض السعوديون والأردنيون اقتراح كينيدي لأنه سيترك الحكومة الجمهورية في السلطة.
اعترف كينيدي بالحكومة الجمهورية في صنعاء في 19 ديسمبر 1962 على الرغم من الضغوط السعودية والأردنية والبريطانية بعدم القيام بذلك واعترفت الجمعية العامة للأمم المتحدة بالجمهورية في اليوم التالي.
كان ولي العهد السعودي الأمير فيصل في نيويورك لحضور اجتماع الجمعية العامة السنوي في أكتوبر، وضغط فيصل على كينيدي لإجراء استعراض للقوة في البحر الأحمر لوقف الأسلحة والقوات المصرية من الذهاب إلى الحديدة، واعترض كينيدي على التدخل، وفي 5 أكتوبر 1962، التقى الأمير في البيت الأبيض، بما في ذلك لقاء خاص فردي في مقر الأسرة بالمبنى، وهو شرف غير عادي للغاية بالنسبة لزائر أجنبي واتفقا على أن الولايات المتحدة ستعيد التأكيد علانية على التزامها بالحفاظ على استقلال وسلامة المملكة العربية السعودية وستكثف زيارات الموانئ التي تقوم بها البحرية الأمريكية إلى الموانئ السعودية وتزيد من تدريب الولايات المتحدة لأفراد القوات الجوية الملكية السعودية، لكن كينيدي أوضح أيضًا لولي العهد أنه يعتقد أن الخطر الأكثر خطورة على بقاء آل سعود يأتي من داخل البلاد ما لم تتخذ المملكة العربية السعودية خطوات للتحديث.
واعتقد كينيدي أن النظام الملكي محكوم عليه بالفشل، وأن قيام جمهورية يمنية بجوار المملكة لن يضر المملكة لأن الجمهورية ليست مرضًا معديًا، وفي لقاء فردي، وعد فيصل بإلغاء العبودية في المملكة العربية السعودية، وبدء تعليم المرأة، وإنهاء الاعتقال التعسفي والحبس، في لحظة استثنائية وفريدة من نوعها في علاقة أمريكا بالمملكة، وهي المرة الوحيدة التي يتدخل فيها رئيس أمريكي بنجاح في الشؤون الداخلية للمملكة.
ترك فيصل انطباعًا عميقًا لدى الرئيس، على عكس شقيقه الملك سعود، ووجد كينيدي أن فيصل جدير بالثقة ومستنيرًا، وفي ذروة الحرب الباردة، كان الاتحاد السوفيتي بقيادة نيكيتا خروتشوف يتدخل بشكل مباشر في حرب أهلية في اليمن هددت بقاء المملكة العربية السعودية، الشريك الأقدم لأمريكا في العالم العربي وعلى عكس ما حدث في كوبا، لم يتراجع السوفييت في اليمن بل صعدوا الصراع.
الحرب السرية
خوفا من الانتشار الثوري المحتمل من اليمن إلى عدن، أنشأ البريطانيون منظمة سرية نفدت من مبنى في شارع سلون في لندن للمساعدة في تسليح وتدريب الملكيين، وكان البريطانيون يجندون مرتزقة كثير منهم من بلجيكا وفرنسا من ذوي الخبرة في الجزائر وفيتنام لمساعدة الملكيين والسعوديين والأردنيين في محاربة الجمهوريين والسوفييت، وأخبرت وكالة المخابرات المركزية كينيدي أن "جميع أدلتنا تشير إلى أن بريطانيا والمملكة العربية السعودية والأردن يتورطون أكثر فأكثر" في حرب اليمن وأن عدة مئات من الجنود السوفييت كانوا على الأرض أيضًا: "التورط السوفيتي ، بشكل مباشر، آخذ في الازدياد. لكن كينيدي أبقى أمريكا خارج الحرب.