بعد فقدانه لاليبيلا... لماذا أبدى أبي أحمد استعداده للحوار مع "جبهة تحرير التيجراي؟
على الرغم من أن أبي أحمد وافق على مشروع تشكيل هيئة الحوار الوطني، بالتزامن مع استمرار الدعوات الدولية لأديس أبابا، بضرورة الانخراط في مباحثات سلام لحل الأزمة في إثيوبيا، إلا أن أطراف النزاع حزب الازدهار بقيادة رئيس الوزراء أبي أحمد، والمعارضة المسلحة بقيادة جبهة تحرير التيجراي، يرفضان الانخراط في مباحثات سلام.
وتدعو أمريكا الحكومة الإثيوبية بالدخول في حوار بناء مع خصومها لحل الأزمة وإنهاء معاناة الشعب الإثيوبي، كما دعا الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، إلى الحوار أيضًا، ورئيس المجلس الأوروبي شارل ميشيل، ورئيس مفوضية الاتحاد الأفريقي موسى فكي، الذين دعوا رئيس الوزراء الإثيوبي إلى عقد حوار لإنهاء النزاع في بلاده. وهناك أيضاً جهود الوسطاء الأفارقة ومنهم الرئيس النيجيري السابق أولوسيغون أوباسانغو، والرئيس الكيني أوهورو كينياتا، ورئيس دولة جنوب السودان سلفا كير ميارديت وغيرهم.
وعلى الرغم من إعلان مكتب رئيس الوزراء الإثيوبي، عودة أبي أحمد إلى مكتبه لمتابعة أعماله، إلا أنه تم الإعلان عن عودته مجددًا إلى جبهة القتال، بعد الحديث عن استعادة "جبهة تحرير تيجراي" بعض المناطق التي فقدتها، مؤخرًا، ومن بين هذه المناطق منطقة "لاليبيلا" الأثرية.
وتمكنت قوات أبي أحمد من تحقيق تقدم ميداني بعدما تعرضت لخسائر كبيرة خلال الفترة الأخيرة، ورجح مراقبون أن يكون السبب في ذلك هو حصول أبي أحمد عن دعم خارجي، فيما تحدثت تقارير صحفية عن أن الاستخبارات الأمريكية توصلت إلى ان دعم صيني تركي إيراني إمارتي وصل أبي أحمد خلال الفترة الأخيرة، وأن البيت الأبيض سوف يوفد المبعوث الخالص لمنطقة القرن الأفريقي إلى تلك الدول لبحث تطورات الأزمة.
إمكانية الحوار
وتطرقت تقارير صحفية إلى الأسباب التي جعلت آبي أحمد يتجه نحو الحوار بعد تمسكه بمواصلة الحرب وجعلته يصادق على مشروع تشكيل هيئة الحوار الوطني.
تقول الباحثة منى عبد الفتاح، على موقع "إندبندنت عربية" إن من بين تلك الأسباب إثبات ما قاله آبي أحمد عن كون بلاده عضواً مؤسساً لكل من الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي، وهي من دعاة التعددية المتجذرة في احترام السيادة الوطنية، وعليه فإن عدم تقدير مخاوف هذه المؤسسات الدولية والإقليمية سيضع إثيوبيا في مواجهة أخطار المجاعة، وأوضاع اللاجئين والنازحين بمفردها.
ومن بين الأسباب الأخرى، أنه بعد انسحاب القوات الإريترية، انكشف بعض الضعف في القوات الفيدرالية الإثيوبية، واضطر آبي أحمد إلى النزول إلى ميدان القتال مع قواته والاستعانة بسلاح الجو الإثيوبي الذي أعاد التوازن للجيش وعدل نتائج المعركة لصالحه.
كما تسبب نزاع التيجراي في زعزعة الاقتصاد الإثيوبي، ولم تعد إثيوبيا قبلَة الاستثمار أو تتمتع بالدعم المالي الدولي، بل تهدد اقتصادها العقوبات الدولية.
تضيف الباحثة منى عبد الفتاح: "شلت الحرب حركة إثيوبيا الإقليمية وحدت من مشاركتها في حل مشاكل دول الجوار، باعتبارها حاضنة للاتحاد الأفريقي ومنظمة الإيغاد (الهيئة الحكومية الدولية للتنمية)، ما أضعف نفوذها ودورها في إرساء الاستقرار الإقليمي، ويأمل أبي أحمد في أن توفر استجابته لإجراء حوار مع قوات التيجراي، غطاءً دولياً لإعادة الدور الإثيوبي إلى سابق عهده. وستضغط القوى الدولية كي لا تتطور المواجهة بين الطرفين وتمتد إلى الإقليم وتهدد قواعدها العسكرية.
ووفق تقارير حكومية، فعندما أعلن آبي أحمد عن عودته إلى مزاولة مهماته رئيساً للوزراء، بعد عدد من الانتصارات التي حققها مقابل انتصارات قوات التيجراي، ظهرت صورة جبهة تحرير تيجراي وهي فاقدة السيطرة، لكن بعدما استولت قوات التيجراي مجدداً على بلدة لاليبيلا التاريخية بعد أقل من أسبوعين من سيطرة القوات الحكومية وحلفائها عليها، ظهر أن العملية في مجملها يمكن إدراجها تحت استراتيجية "الكر والفر" أو "الحرب بين الحروب". وإن كانت قوات التيجراي قد سعت إلى تثبيت قواعد هذه الاستراتيجية، فإنه ليس من مصلحتها فتح ما أغلقه آبي أحمد من فرص كانت ستجر إلى توسيع رقعة الحرب.
تؤكد الباحثة إلى أن النصر الذي حققته قوات التيجراي ربما يبدده رضوخ آبي أحمد للحوار، وإذا لم تستجب جبهة التيجراي، فسيكون بانتظار تجاوب المجتمع الدولي معه ومكافأته بما يمتلك من أدوات لتحقيق أهدافه القصيرة والطويلة المدى. ويرغب آبي أحمد في الحصول على المساعدة العسكرية، نسبةً إلى أهمية مكانة إثيوبيا في القرن الأفريقي، ومساهمتها في محاربة الإرهاب، وبالتالي فإنه حتى لو انحصر العون الدولي في المساعدات الإنسانية والأمنية، فسيتوفر له غطاء للضغط على جبهة التيجراي.
من ناحية أخرى، لا تزال الحكومة الإثيوبية تملك ورقة ضغط تتمثل في الاستغناء عن الغرب، وإن كان الاتحاد السوفياتي دعم أديس أبابا بمساعدات عسكرية بلغت 11 مليار دولار في حربها مع الصومال حول إقليم أوغادين في سبعينيات القرن الماضي، فإنه في حال اشتداد الضغط الغربي عليها، ربما تتجه إلى روسيا أو الصين مستغلةً المنافسة الدولية بين القوى الكبرى، للاستفادة منها بتزويدها بتكنولوجيا بديلة وتعاون عسكري، خصوصاً أن الصين ظلت ملجأ دول أفريقية عدة وغيرها في الالتفاف على العقوبات الأميركية.