تضارب مصالح في الصراعات الإقليمية.. هل تحث الإمارات تركيا على تغيير موقفها في سوريا؟
قد يبدو للوهلة الأولى أن التقارب التركي الإماراتي لا يساعد في الوصول إلى حل سياسي للصراع في سوريا، ولكن ومن ناحية أخرى، فإن الدعم الذي تتلقاه الإدارة الذاتية التي يقودها الأكراد في شمال سوريا من الإمارات سيصبح كبش فداء لتعميق هذا التقارب بين ابو ظبي وأنقرة، فإذا حدث ذلك، فسيُرضي الحكومة التركية ودمشق في وقت واحد، وفقًا لتحقيق نشره موقع فرانس 24، فهل تشجع الإمارات تركيا على التطبيع مع دمشق؟.
يرى الباحث محمود علوش أن انفتاح الإمارات على دمشق يزيد من مخاوف تركيا من وجود جهود عربية تضعف دور أنقره في سوريا، وتقدم دولة الإمارات العربية المتحدة هذا الانفتاح باعتباره أحد مظاهر التحول في سياستها الخارجية وهذا الانفتاح في السياسة الخارجية لدولة الإمارات يهدف إلى حل المشاكل وتهدئة الصراعات الإقليمية ولكنه لا يستهدف دولاً إقليمية أخرى مثل تركيا أو إيران.
يرى الباحث محمود علوش أن انفتاح الإمارات على دمشق يزيد من مخاوف تركيا من وجود جهود عربية تضعف دور أنقره في سوريا، وتقدم دولة الإمارات العربية المتحدة هذا الانفتاح باعتباره أحد مظاهر التحول في سياستها الخارجية وهذا الانفتاح في السياسة الخارجية لدولة الإمارات يهدف إلى حل المشاكل وتهدئة الصراعات الإقليمية ولكنه لا يستهدف دولاً إقليمية أخرى مثل تركيا أو إيران.
ووفقًا لمعهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى فمن مصلحة تركيا والإمارات العربية المتحدة الحفاظ على المسار الجديد لسياستيهما الخارجية، ولكن عليهما حمايتها من تضارب المصالح في الصراعات الإقليمية، لا سيما في سوريا وهذا قد يساعدهما أيضًا على تطوير استراتيجية لإدارة الخلافات لاستكشاف إمكانية إيجاد منهجية ذات أرضية مشتركة للقضية السورية.
ونقلت صحيفة Digital News الكندية عن الأكاديمي السوري الكندي فيصل عباس محمد حاصل على درجة الدكتوراه في الدراسات الشرق أوسطية من كندا، قوله إن الإمارات تشارك العديد من الأنظمة العربية الأخرى في دعمها لجهود نطبيع العلاقات مع دمشق وتسمح للحكومة السورية بإعادة مقعدها إلى جامعة الدول العربية. ومع ذلك، فإن محاولة الإمارات لإعادة العلاقات مع تركيا هي مشروع مستقل عن تلك الجهود إلى حد كبير.
قام وزير الخارجية الإماراتي، الشيخ عبد الله بن زايد، بزيارة رسمية إلى سوريا قبل أن يتوجه الشيخ محمد بن زايد، ولي عهد أبو ظبي إلى تركيا، وهي بلا شك خطوة تتعلق بالمشروع الأكثر أهمية لتحسين العلاقات مع تركيا، ويبدو أن أردوغان وبن زايد التزما الصمت حيال القضايا السياسية الخلافية بما في ذلك الملف السوري واقتصرت تصريحاتهما على اتفاق لتعزيز التعاون الاقتصادي ولكن هذا لا يقنع أياً من المراقبين بعدم إجراء نقاش حول الخلافات السياسية، ويدور حديث في اللوبيات السياسية التركية عن استعدادات لإبرام صفقة استراتيجية ومصيرية بين أنقرة ودمشق، وسط أحداث متسارعة وصفقات معقدة، بمشاركة روسيا في إدارتها، وفي 4 سبتمبر، أفادت وسائل إعلام محلية أن بعض المسؤولين الأتراك كانوا يتحدثون عن لقاء مرتقب في العاصمة العراقية بغداد بين رئيس جهاز المخابرات الوطنية التركية ومدير مكتب الأمن القومي اللواء علي مملوك وجاءت هذه التقارير من صحيفة تركيا جازيتسي التركية المعروفة بعلاقاتها الوثيقة مع حزب العدالة والتنمية الحاكم، وقال الرئيس السابق لوكالة المخابرات العامة التركية، إسماعيل حقي بيكين، إن اجتماع بغداد يؤسس لعملية جديدة، ولأول مرة منذ 2011، عقد مملوك وفيدان اجتماعا في العاصمة الروسية موسكو في أواخر 2020، وبحثا عدة قضايا أهمها الوجود التركي في سوريا ولم يعلق الجانب التركي على ذلك الاجتماع، ولم تعترف تركيا بدمشق منذ انطلاق الاحتجاجات الشعبية في سوريا عام 2011، وانقطعت العلاقات التركية السورية منذ ذلك الحين في ظل دعم تركيا للمعارضة السورية وتحدث الباحث التركي طه عودة أوغلو عن صفقة قد تشمل لاحقًا دولًا أخرى في السعي للتوصل إلى تسوية من شأنها أن تضع نهاية سلمية للصراع السوري، في ضوء التصريحات الإيجابية الأخيرة الصادرة عن كبار المسؤولين في أنقرة وتشير هذه التصريحات إلى إمكانية قيام تركيا بالتطبيع السياسي مع دمشق بالتزامن مع جهود تحسين علاقات أنقرة مع مصر والإمارات.
جاءت زيارة الوفد السوري الذي يمثل وزارة الداخلية السورية في الاجتماعات الدورية للمنظمة الدولية للشرطة الجنائية (الإنتربول) في اسطنبول بعد الحديث عن قرب عملية تطبيع العلاقات الثنائية بين تركيا ودمشق. واعترفت أنقرة عبر كبار مسؤوليها بأن التواصل مع مخابرات دمشق لا يزال مستمراً وكانت هذه الزيارة الأولى من نوعها لوفد الحكومة السورية إلى تركيا منذ اندلاع الاحتجاجات السلمية ضد حكومة بشار الأسد في آذار 2011، ووفقًا لأوغلو، لا يزال الموقف التركي من دمشق غامضًا ولكن في الأشهر الأخيرة يبدو أنه يحمل في طياته بوادر تطورات مهمة خلف الأبواب تهدف إلى تفكيك العقدة السياسية التي تحول دون الحلول الإقليمية.
هل تركيا بحاجة للتطبيع مع دمشق؟
تحدث اتصالات غير معلنة بين دمشق والحكومة التركية بين الحين والآخر، ومع ذلك، لا تحتاج تركيا إلى التطبيع مع نظام الأسد لتحقيق مكاسب في سوريا، أو إيجاد حل لقضية اللاجئين السوريين في أراضيها، أو تقليص نفوذ الإدارة الذاتية التي يقودها الأكراد وقوات سوريا الديمقراطية، أو تحقيق الهيمنة الاقتصادية على جزء من شمال سوريا ولا يتم تخفيف المخاوف التركية إلا من قبل لاعبين، أقوى وأهم من دمشق وأكثر نفوذاً من الإمارات، وهما روسيا والولايات المتحدة، ويعتقد أن مسار العلاقات التركية الإماراتية، ووتيرة تسارعها، ونوع التفاهمات التي قد تنجم عنها كلها عوامل ستحدد فيما بعد آثار التقارب بين أنقرة وأبو ظبي على سوريا في المستقبل.
وقالت شبكة CNN الأمريكية إن الإعلام التركي المقرب من أردوغان دأب على وصف الإمارات في السنوات الأخيرة باسم "اسبرطة الصغيرة" بسبب سياستها الخارجية القوية التي تجاوزت حجم سكانها البالغ عددهم حوالي 10 ملايين نسمة (ومعظمهم من الأجانب) وعلى مدار سنوات، تدخلت الإمارات بقوة في عدد من الحروب، حيث واجهت شركاء إيران الإقليميين شبه العسكريين في دول مثل اليمن وسوريا والعراق، بالتوازي مع حملتها ضد تنظيم الإخوان والآن يبدو أنها تريد أن يُنظر إليها على أنها صانع السلام الرئيسي في المنطقة، على خلفية ترميم العلاقات مع تركيا.
ونقلت الشبكة الأمريكية عن الأكاديمي الإماراتي عبد الخالق عبد الله، الأستاذ الإماراتي المتقاعد في العلوم السياسية قوله: "ما يدفع كل هذا هو التقييم العميق لدور الإمارات في المنطقة، ومراجعة عميقة لنفوذ الإمارات الإقليمي الذي اكتسبته على مدى السنوات العشر الماضية وما يزيد عن ذلك، فالإمارات العربية المتحدة تحاول تعزيز نفوذها الإقليمي وتحاول إظهار نفسها كصانعة سلام من الآن فصاعدا"، وأضاف الأكاديمي الإماراتي، والمساعد السابق لبن زايد: "لقد سئمنا من عدم الاستقرار والصراعات وصدامات المصالح التي لم يربح منها أحد وإذا كان هناك أي مكسب فهو قليل للغاية"، وعادت العلاقات الدبلوماسية بين تركيا والإمارات العربية المتحدة بعد الزيارة الرسمية لولي عهد أبوظبي الشيخ محمد بن زايد آل نهيان إلى تركيا في 24 نوفمبر 2021 وهذا يثير عدة تساؤلات حول كيفية انعكاس هذا التقارب على الأرض في سوريا، حيث تقف الإمارات العربية المتحدة وتركيا على جانبين متعارضين وتدعمان أطرافًا متعارضة.
ونقلت الشبكة الأمريكية عن الأكاديمي الإماراتي عبد الخالق عبد الله، الأستاذ الإماراتي المتقاعد في العلوم السياسية قوله: "ما يدفع كل هذا هو التقييم العميق لدور الإمارات في المنطقة، ومراجعة عميقة لنفوذ الإمارات الإقليمي الذي اكتسبته على مدى السنوات العشر الماضية وما يزيد عن ذلك، فالإمارات العربية المتحدة تحاول تعزيز نفوذها الإقليمي وتحاول إظهار نفسها كصانعة سلام من الآن فصاعدا"، وأضاف الأكاديمي الإماراتي، والمساعد السابق لبن زايد: "لقد سئمنا من عدم الاستقرار والصراعات وصدامات المصالح التي لم يربح منها أحد وإذا كان هناك أي مكسب فهو قليل للغاية"، وعادت العلاقات الدبلوماسية بين تركيا والإمارات العربية المتحدة بعد الزيارة الرسمية لولي عهد أبوظبي الشيخ محمد بن زايد آل نهيان إلى تركيا في 24 نوفمبر 2021 وهذا يثير عدة تساؤلات حول كيفية انعكاس هذا التقارب على الأرض في سوريا، حيث تقف الإمارات العربية المتحدة وتركيا على جانبين متعارضين وتدعمان أطرافًا متعارضة.
أين تركيا والإمارات في سوريا؟
كانت علاقات تركيا مع الإمارات العربية المتحدة متوترة بسبب العديد من القضايا الشائكة على مدى العقد الماضي وكان من بين أهمها الدعم العسكري الواضح الذي قدمته تركيا لقطر بعد أزمة الخليج عام 2017، وقطعت الإمارات والسعودية والبحرين ومصر فجأة العلاقات الدبلوماسية والاقتصادية مع قطر وفرضت عليها مقاطعة على أمل جعلها تمتثل لقائمة مطالبهم المشروعة بالإضافة إلى ذلك، عارضت تركيا سياسة الإمارات في ليبيا وسوريا، الأمر الذي يتعارض مع عملياتها العسكرية في شمال غرب وشرق سوريا واتهمت تركيا الإمارات بتدشين حملة تستهدف الليرة التركية، كما اتهمت أنقرة محمد دحلان، الذي من المرجح أن يعمل كمستشار خاص لولي العهد محمد بن زايد، بالتورط في محاولة الانقلاب ضد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان كما تعتبره أنقرة إرهابيًا لتمويله حركة فتح الله جولن التي تصنفها تركيا على أنها منظمة إرهابية، وتدعم الإمارات التدخل العسكري الروسي في سوريا وفي عام 2015، عارضت الإمارات طلبًا سعوديًا تقدمت به سبع دول، وهي السعودية وقطر وتركيا وألمانيا وبريطانيا وفرنسا والولايات المتحدة، تطالب روسيا بوقف عملياتها العسكرية، وفي عام 2020، أطلقت الإمارات مبادرة بشأن العملية السياسية المتعلقة بسوريا وإدراج المكون الكردي، مما استدعى إعادة رسم الخريطة الميدانية في إدلب، والسيطرة على الطريقين السريعين الدوليين M5 و M4، وسحب البساط من تحت أقدام الأتراك في المنطقة ونصت المبادرة على إعادة فتح معبر نصيب الحدودي بين سوريا والأردن بشكل جدي، وتنشيط مينائي اللاذقية وطرطوس، مقابل محاولة الإمارات تأجيل تطبيق قانون قيصر الأمريكي، أو على الأقل تخفيف القيود التي كانت قائمة لفترة تجريبية.
خطوات تدريجية لأخذ موطئ قدم
يعتقد طه عودة أوغلو، الباحث في الشؤون التركية والعلاقات الدولية أن الاتجاهات الإيجابية في العلاقات التركية الإماراتية حتى اليوم جاءت نتيجة الخطوات التدريجية التي اتخذتها أنقرة في الأشهر الماضية لتطبيع العلاقات مع خصومها الإقليميين، حيث استأنفت أنقرة أولاً الاتصال الدبلوماسي مع القاهرة والرياض وأبو ظبي والمنامة لرأب الصدع ثم جاء ولي عهد أبوظبي ليكمل هذه الخطوة الحكيمة بزيارته التاريخية، وهذه الخطوة متوقعة في سياق السعي إلى التحسين المستدام للعلاقات بين البلدين، التي مرت بفترة صعبة على مر السنين؛ في ذلك الوقت، دعم كل طرف طرفًا مختلفًا لخدمة مصالحه الخاصة، سواء في مصر أو سوريا أو ليبيا أو حتى في شرق البحر المتوسط وهذه خطوة منطقية في متابعة التحسين المستدام للعلاقات بين البلدين كما يعتقد عودة أوغلو أن تركيا منفتحة ومستعدة للمصالحة مع جميع الدول التي كانت على خلاف معها سابقًا، وخاصة الإمارات والسعودية وتركز الخطوة التركية على تحسين الاقتصاد، والتي تأمل في الاستفادة منها في المكاسب السياسية، من ناحية أخرى، تبحث الإمارات العربية المتحدة، مثل دول الخليج الأخرى، عن إيرادات مالية غير نفطية، مع انخفاض أسعار النفط بشكل حاد وتبدو الإمارات اليوم في حاجة ماسة إلى موطئ قدم مستقر وقوي للاستثمار في العالم وشركاء تجاريين أقوياء قادرين على دعم خططها للنمو الاقتصادي.
غطاء اقتصادي للمقايضات السياسية: سوريا لا تزال من المفلات الساخنة
خلال مشاركة تركيا في معرض إكسبو 2020 دبي، أعلن السفير التركي لدى الإمارات توجاي تونسر: "تبلغ حجم تجارتنا مع الإمارات 8.5 مليار دولار أمريكي والأرقام آخذة في الازدياد - في الأشهر الستة الأولى رأينا زيادة تقترب من مائة بالمائة، وسيساهم إكسبو 2020 في رفع هذا النمو لمستويات جديدة"، وقال وزير الاقتصاد الإماراتي، عبد الله المري، إن العلاقات الاقتصادية بين الإمارات وتركيا تشهد تطورا مستمرا، مشيرا إلى أن التجارة بين البلدين قفزت بنسبة 100 في المائة في النصف الأول من العام الجاري، ويرى محمود علوش الباحث في الشؤون التركية والعلاقات الدولية، أن المصالحة التركية الإماراتية ترتكز على ركيزتين أساسيتين: التعاون في مجالات الاقتصاد والتجارة لإدارة الخلافات في القضايا الإقليمية كبديل للمواجهة المباشرة، وكانت سوريا ولا تزال إحدى نقاط الخلاف الرئيسية بين الإمارات وتركيا، في ظل تضارب مواقفهما بشأن قضية الوحدات الكردية، وعلى ما يبدو، لا توجد مؤشرات على أن هذا الصراع سينتهي قريبًا واتهمت وسائل إعلام تركية، خلال السنوات الماضية، الإمارات بتقديم الدعم والتدريب العسكري لقوات سوريا الديمقراطية في سياق صراعها الإقليمي مع تركيا. يشار إلى أن أنقرة تعتبر قوات سوريا الديمقراطية امتدادًا لحزب العمال الكردستاني المحظور الذي يقاتل من أجل الحكم الذاتي الكردي في تركيا منذ ثلاثة عقود.
قد يتفهم الأتراك سبب اتخاذ الإمارات موقفاً مختلفاً فيما يتعلق بالقضية السورية ومع ذلك، فهم حساسون للغاية فيما يتعلق بحزب العمال الكردستاني، بحسب علوش. لا يمكنهم التسامح مع أي دولة تقدم الدعم لحزب العمال الكردستاني. وإذا كانت الإمارات تنوي إصلاح علاقاتها مع أنقرة، فيجب على أبو ظبي أن تكون أكثر حذراً من الآن فصاعداً فيما يتعلق بقضية وحدات حماية الشعب، الدعامة الأساسية لقوات سوريا الديمقراطية.