بينها الإمارات وإريتريا.. خريطة القوى المتحكمة في الحرب الأهلية الإثيوبية
لم تغب إثيوبيا ولو للحظة عن أعين الدول الكبرى منذ الحرب الباردة بين القطب الغربي بقيادة أمريكا، والمربع الشرقي بقيادة روسيا والصين؛ لكونها تعتبر عاصمة القارة السمراء، فضلًا عن موقعها الجيوستراتيجي في منطقة القرن الأفريقي ذات الأهمية الخاصة للدول الكبرى.
وتشهد إثيوبيا صراعًا محتدمًا في الوقت الحالي بين المعارضة المسلحة التي يقودها "جبهة تحرير شعب تيجراي"، من جهة، وقوات أبي أحمد، من جهة أخرى، وبعدما كانت قوات المعارضة على مشارف العاصمة أديس أبابا، يبدو أن أبي أحمد تلقى دعمًا سخيًا من الخارج، تزعم تقارير أنه (صيني إماراتي) غير من النتائج الميدانية، ليحقق أبي أحمد تقدمًا على حساب المعارضة، ويتمكن من إعادة السيطرة على عدد من المدن الاستراتيجية التي فقدها خلاها الفترة المقبلة.
يؤكد مراقبون أن الحرب في إثيوبيا من الصعب الجزم بالفائز فيها في الوقت الحالي، وأن ذلك الصراع سيطول أمده، مما يترتب عليه حروبًا أهلية داخلية في إثيوبيا، ربما يترتب عليه انفجارات داخلية في ظل دولة تشهد تعدد العرقيات، والقوميات الراغبة في الانفصال.
خريطة النفوذ الأجنبي
أمريكا ترى في إثيوبيا حجر الزاوية في سياستها بأفريقيا، لذلك منحتها النصيب الأكبر من مساعداتها للقارة السمراء، فوفق تقارير صحفية فقد حصلت أديس أبابا على نصف المساعدات الأميركية لأفريقيا في فترة الحرب الباردة، وكانت أحد أهم مسارح حربها عبر حليفها في إثيوبيا الإمبراطور هايلي سلاسي.
لكن الصين كانت لها مواقف أخرى؛ إذ لم تنشغل مثل حليفتها روسيا بالمشاحنات العسكرية والرغبة طوال الوقت في المد والنفوذ العسكري. عكفت بكين على التوسع الاقتصادي معتمدة على خبراتها في مجالات الاتصالات وإعادة ترميم البنى التحتية، وبالفعل نجحت في ذلك إلى حد كبير، حتى أصبحت الشريك الاقتصادي الأول لإثيوبيا، الأمر الذي أزعج أمريكا طوال الوقت، وعكفت على مواجهته بالطرق كافة.
وتتبنى الصين إستراتيجية "الموارد من أجل التنمية " في أفريقيا، لتبني أول قاعدة عسكرية لها في جيبوتي على مقربة من القاعدة الأميركية.
ووفق تقارير صحافية، كانت روسيا في عهد الاتحاد السوفياتي أكبر الأقطاب نفوذا في المنطقة، وكان لها قواعد بحرية في كل من الصومال واليمن وإريتريا وفّرت لها موطئ قدم في البحر الأحمر والجزيرة العربية. وتعود روسيا اليوم لاستعادة سمعتها كقوى عظمى إضافة إلى مصالح يفرضها موقع إثيوبيا الجيوسياسي.
أهمية جيوستراتيجية
وتجتمع الدول المتنافسة على الأهمية الإستراتيجية للموقع الإثيوبي، إضافة إلى أهمية الوصول إلى البحر الأحمر كأولوية إستراتيجية. وبالفعل نجحت إثيوبيا في خدمة إستراتيجيات القوى الكبرى في المنطقة كوكيل يخدم مصالحها؛ فقد مُنحت إثيوبيا في عهد زيناوي دعما سياسيا وعسكريا ولوجستيا لمحاربة الجماعة المسلحة نيابة عن القوى الغربية. فضلا عن كون إثيوبيا معقل المسيحية ومنطلقها إلى أفريقيا.
وفق تقارير صحفية فقد عبرت القوى الغربية وتحديدًا أمريكا عن بالغ قلقها من دخول الصين بمشروع "حزام واحد طريق واحد" الذي ينفذ إستراتيجيتها في إفريقيا، فضلًا عن قلقها من نجاح الدبلوماسية الاقتصادية الصينية، التي تعد ذراعا أساسية للتغلغل في القارة. وقد تفوقت الصين في هذا الجانب على الولايات المتحدة، وهو ما تخشى نتائجه وتداعياته المستقبلية.
ومنذ العام 2017، وتشن أمريكا حربًا تجارية باردة على الصين، وتملك الصين 379 مشروعا في إثيوبيا بينما تملك الولايات المتحدة 106 مشاريع، وتُعتبر الصين الشريك الاقتصادي الأول، لذلك سعت أميركا لتعزيز الشراكة الاقتصادية مع إثيوبيا في السنوات الخمس الأخيرة.
فيما تصل الديون الصينية لإثيوبيا 13.7 مليار دولار، وتعادل نصف ديون هذا البلد الخارجية، ولهذا تشدد الصين على ضرورة استقرار الأوضاع في إثيوبيا للمحافظة مصالحها الكبيرة.
منافسة محتدمة
وفي إطار التغول الاقتصادي الصيني في إثيوبيا، فقد وقّعت إثيوبيا مع الصين اتفاقية لتمويل مشروعات البنى التحتية، بالتعاون مع شركة "هواوي" (HUAWEI) و"زد تي إي" (ZTE) للاتصالات، وأطلقت إثيوبيا أول قمر صناعي باسم "إيرس1" بالاعتماد على التكنولوجيا الصينية، وهو ما يثير حفيظة الولايات المتحدة على مستقبل شراكتها التقليدية مع إثيوبيا.
وخلال العام 2019 زار إثيوبيا كل من جاك دورس أحد مؤسسي منصة تويتر وجاك ما المؤسس المشارك لمنصة (علي بابا)، وتمخضن زيارتهما عن توقيع اتفاقية مع مجموعة علي بابا لإنشاء منصة للتجارة العالمية الإلكترونية. وفي ذات الوقت أطلقت الولايات المتحدة مشروعا للصحة الرقمية في إثيوبيا بقيمة 63 مليون دولار.
كما أنشأت الولايات المتحدة وكالة مساعدات خارجية عام 2019 لتقديم تمويل ميسّر لمجابهة النفوذ الصيني عالميا، وتقدم قروضا مخفضة لشراء معدات اتصالات بشرط عدم الشراء من الصين.
قوى إقليمية
وتلعب دول إقليمية دورا مهما في الحرب الدائرة بإثيوبيا. وتفيد تقارير بأن الإمارات، تعد من بين هذه القوى. وقد لعبت القاعدة الإماراتية في ميناء عصب الإريتري دورا حاسما في بداية الحرب بإقليم تيجراي، وعادت في بداية ديسمبر الجاري عبر جسر جوي مباشر وغير مباشر غيّر مسار المعركة بدرجة كبيرة لصالح آبي أحمد وحلفائه. والإمارات حليفة لآبي أحمد، كما أن لديها شراكة اقتصادية كبيرة مع إثيوبيا، إضافة إلى أنها تعمل بالوكالة لصالح بعض القوى الإقليمية.
أما ثاني الدول الإقليمية التي تلعب دورًا في الصراع الإثيوبي، إريتريا، فقد لعبت دورا أساسيا في تعزيز الموقف العسكري لآبي أحمد منذ بداية الحرب وما تزال، وهو ما عمق الخلافات بين أطراف الحرب ووسع دائرتها. وأصبحت إريتريا طرفا مساندا في الحرب على حساب آخر، ما يصعب الوصول إلى تفاهمات من أجل حل سلمي للصراع.