الجمعة 29 مارس 2024 الموافق 19 رمضان 1445
رئيس التحرير
شيماء جلال
عاجل
عرب وعالم

كارنيجي: بعد إقالة وزير المالية التركي.. لماذا يخفض أردوغان سعر الفائدة ؟

الرئيس نيوز

صرح الرئيس التركي رجب طيب أردوغان عدة مرات أنه يعتقد أن التضخم المرتفع هو نتيجة ارتفاع أسعار الفائدة وهذا يتعارض مع النموذج السائد في اقتصاديات العالم الذي يشير إلى أن العلاقة بينهما عكس ما يعتقد أر دوغان، وفقًا لمصطفى قتلي، المحاضر بقسم السياسة الدولية بجامعة سيتي في لندن، مع سلسلة من تخفيضات أسعار الفائدة، تهدف الحكومة إلى تحفيز الاستثمار المحلي ودعم القطاعات الموجهة للتصدير أيضًا، ونظريًا يمكن أن يؤدي انخفاض قيمة الليرة التركية إلى جذب الاستثمار الأجنبي وتعزيز النمو الاقتصادي العام، ولكن مع ذلك، فإن قرار خفض أسعار الفائدة يأتي مصاحبًا لمقايضة فمن المرجح أن تؤدي السياسة الاقتصادية الجديدة التي تستهدف معدلات فائدة منخفضة إلى تحفيز التضخم في الوقت الذي تستعد فيه العديد من الأسواق الناشئة لسياسة نقدية أكثر تشددًا، أدت التخفيضات اللاحقة في أسعار الفائدة - جنبًا إلى جنب مع المخاطر الجيوسياسية  إلى إضعاف الليرة. نظرًا لأن الاقتصاد التركي يعتمد على السلع المستوردة في العديد من القطاعات - الطاقة والمواد الخام والسلع الوسيطة - فإن انخفاض قيمة العملة يزيد الضغط على أسعار المستهلك وتشير الأرقام الرسمية إلى أن معدل التضخم السنوي يحوم حاليًا حول 20 بالمائة. أيضا، من المرجح أن يؤدي ارتفاع أسعار المستهلك إلى تقويض توزيع الدخل.

تتمثل الإستراتيجية المناسبة طويلة الأجل لتركيا في اعتماد مجموعة متماسكة من السياسات التي تعمل على تحسين القدرة الإنتاجية للدولة وأداء الصادرات ذات القيمة المضافة العالية، وذلك للحفاظ على استقرار الأسعار والسيطرة على عجز الحساب الجاري ومن المؤكد أن أي اتفاق للسياسة الاقتصادية مشروط بالسياق السياسي ولكن على أي حال، تبرز ثلاثة مكونات - استقرار الاقتصاد الكلي، وبيئة مؤسسية سياسية اقتصادية مواتية، وسياسة صناعية جيدة الصياغة.

 وأعلن الرئيس التركي أردوغان نفسه "عدوًا لأسعار الفائدة" ووفقًا لتقرير نشرته مؤسسة كارنيجي البحثية، يريد تخفيض تكاليف الاقتراض وهذا وحده لا يجعله سياسيًا غير تقليدي ولكن لديه أفكار أخرى تثير قلق الاقتصاديين إذ يتبنى نظرية غير تقليدية أن ارتفاع أسعار الفائدة يسبب التضخم لوضع آرائه موضع التنفيذ، وضاعف من سياسته المتعلقة بأسعار الفائدة المنخفضة الأسبوع الماضي، مما أدى إلى انخفاض الليرة التركية إلى أدنى مستوياتها على الإطلاق وجاء انهيار الليرة بعد عام صعب حيث فقدت الليرة ما يصل إلى 45 في المائة من قيمتها وعلى الرغم من انتقادات أحزاب المعارضة والاحتجاجات في أنقرة واسطنبول التي دعت الحكومة إلى الاستقالة، تعهد أردوغان بمواصلة الضغط من أجل خفض أسعار الفائدة.

بالنسبة للرئيس التركي، فإن منهجه هي الأفضل، ويمكن تفسير اشمئزازه من ارتفاع أسعار الفائدة جزئيًا بخلفيته الإسلامية فهو يعتقد أن الفائدة ربا حرمها الإسلام، ولكن وجهات نظره في هذا الشأن تشكلت أيضًا من خلال تجربته كرجل أعمال يعتقد أن أسعار الفائدة المنخفضة ضرورية لتعزيز النمو الاقتصادي وخلق فرص العمل وخفض التضخم وجذب الاستثمار الأجنبي ويجادل بأن تكاليف الاقتراض المرتفعة تبطئ الاقتصاد وتؤدي إلى ارتفاع الأسعار لأن الشركات تعكس الزيادة في تكاليف الاقتراض في أسعار منتجاتها، وأن خفض الفائدة سيعزز الاستثمار والإنتاج والتوظيف وأن ضعف الليرة سيعزز الصادرات التركية ويقلل الواردات ويوازن عجز الحساب الجاري، مما سيؤدي إلى خفض التضخم.

لكن هنا تكمن المشكلة: يحذر الاقتصاديون من أن تخفيضات أسعار الفائدة ستؤدي إلى ارتفاع التضخم، الذي هو بالفعل أربعة أضعاف الهدف الرسمي، ويقضي على أرباح ومدخرات الأتراك ولن يعزز الإنتاج ويعتمد العديد من المنتجين على السلع المستوردة والطاقة، مما يعني أن تكاليف مدخلاتهم سترتفع كما أن منطق جذب الاستثمار الأجنبي بسبب ضعف الليرة يمثل مشكلة أيضًا، ويحتاج أردوغان إلى أكثر من ذلك بكثير لجذب المستثمرين الأجانب. "تركيا الجديدة"، حيث انهارت المؤسسات وتفكك سيادة القانون، وأهواء رجل واحد تحدد كل شيء، بما في ذلك السياسة النقدية، ليست وجهة جذابة بالنسبة لهم.

وشن أردوغان حربًا ضد أسعار الفائدة، والتي ندد بها في عام 2018 باعتبارها "أداة استغلال" مماثلة لـ "تجارة الهيروين" ووصفها بأنها "أم وأب كل شر" وتجاوزت معركة أردوغان ضد أسعار الفائدة الخطاب القوي وامتدت إلى ضغوطه الشديدة على البنك المركزي التركي ولجنة السياسة النقدية التابعة له لخفض سعر السياسة، ولكن النظرة الاقتصادية غير التقليدية للرئيس التركي لا تعكس قناعاته الأيديولوجية الراسخة فحسب، بل تعكس أيضًا الديناميكيات الغريبة للنظام الاقتصادي القائم على المحسوبية والرأسمالية في البلاد على الجانب الأيديولوجي، تتجاوز رؤية أردوغان للعالم الاعتقاد الإسلامي التقليدي بأن الربا حرام ويمتد إلى نظرية مؤامرة يؤيدها الرئيس التركي، فقد أعرب أردوغان مرارًا عن معارضته لـ "لوبي أسعار الفائدة"، في إشارة مستترة إلى مجموعة من الممولين اليهود الملتزمين بتدمير الاقتصاد التركي من أجل السيطرة على البلاد.

على الجانب غير الأيديولوجي، تدعم شبكة المحسوبية المنسقة جيدًا التحالف الحاكم للرئيس التركي، والذي يعتمد على قدرة أردوغان على تضخيم الفقاعة العقارية والحفاظ عليها في قلب نظامه المعقد لتمويل مشروعه السياسي وتوزيع الغنائم ويتطلب هذا النظام الهش حافزًا نقديًا مستمرًا لزيادة الاستهلاك والحفاظ على الدائرة الداخلية للرئيس من الأصدقاء التجاريين لديها سيولة مالية بشكل دائم، على الرغم من أن هذا المزيج السام من الأيديولوجيا والمصالح الذاتية المادية قد أدى إلى انخفاض غير مسبوق في قيمة الليرة التركية وتضخم من رقمين، لا يبدو أن أردوغان لديه القدرة على فطم نفسه عن مؤامراته أو رفاقه.

لطالما كان الرئيس رجب طيب أردوغان مقتنعًا بأن التضخم ناتج عن أسعار الفائدة المرتفعة التي تزيد من تكلفة الاقتراض والتصنيع. لقد تخلص من استقلالية البنك المركزي التركي وواصل بقوة إجراء تخفيضات في معدل سياسته وهذا يتعارض بشكل مباشر مع المبادئ الاقتصادية الراسخة، ما يدفعه للتحرك الآن هو حقيقة أنه سيواجه انتخابات في غضون الثمانية عشر شهرًا القادمة، بحلول يونيو 2023، ظل أردوغان في السلطة بشكل مستمر منذ عام 2003 ومع ذلك، فهذه هي المرة الأولى التي يواجه فيها مثل هذه البيئة التضخمية المرتفعة ومن ثم، فهو يفتقر إلى المعرفة والخبرة اللازمتين للتعامل مع مثل هذه الأزمة، كما أنه نفد صبره إنه مقتنع بأنه على حق ويعتقد أنه يعرف أكثر من أي شخص آخر علاوة على ذلك، فقد أحاط نفسه بأشخاص، ببساطة، رجال يدعو هو فيقولون آمين، ونتيجة لذلك، لا يجرؤ أحد على تحديه، وهذا واضح أيضًا في تغطية الصحف التي ترتبط به، والتي تبث كل ما يقوله وتؤمن به ونجح أردوغان في إجبار جميع مؤسسات الدولة على الرضوخ لإرادته. 

ووفقًا لصحيفة Noor Trends الاقتصادية التابعة لشركة نور كابيتال المتخصصة في الوساطة المالية في أبو ظبي، انخفضت الليرة التركية إلى حوالي 13.4 للدولار الأمريكي، متجهة إلى أدنى مستوى تاريخي لها عند 13.9 للدولار الأمريكي، بعد أن أشار البنك المركزي إلى أن هناك مجالًا لمزيد من التخفيضات في أسعار الفائدة في قرار سعر الفائدة في ديسمبر.

في غضون ذلك، عيّن الرئيس أردوغان وزيراً جديداً للخزانة والمالية، وهو مؤيد قوي لموقف الرئيس بشأن انخفاض أسعار الفائدة ليحل محل آخر مسؤول كبير شوهد يعارض التخفيضات غير التقليدية في أسعار الفائدة التي نفّذها البنك المركزي، وبلغ معدل التضخم السنوي لشهر أكتوبر ما يقرب من 20٪، وهو أعلى مستوى منذ يناير 2019 وأعلى بكثير من متوسط النقطة المستهدفة البالغ 5٪. انخفضت قيمة الليرة التركية بنسبة 47٪ مقابل الدولار هذا العام وقدم لطفي إلفان، وزير الخزانة والاقتصاد التركي، استقالته التي قبلها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في الساعات الأولى من صباح اليوم الخميس كما قرر أردوغان تعيين نور الدين نيباتي وزيرا للخزانة والاقتصاد خلفا لإلفان المعروف بتوجهاته التقليدية بين أعضاء الحكومة التركية. 

 جاء ذلك بعد يوم واحد من إعلان البنك المركزي التركي العودة إلى التدخل في سعر الصرف في محاولة لمساعدة العمل التركية على التعافي من الانهيار الحالي ويشير التدخل في سعر صرف الليرة التركية إلى عمليات بيع مكثفة للعملة الصعبة مقابل العملة المحلية بهدف زيادة المعروض من الدولار الأمريكي، ومن ثم هبوطه، وقال البنك المركزي التركي إن “تحركات غير صحية لحركة سعر الليرة” كانت وراء قرار السلطات النقدية بالتدخل في سعر الصرف وجاء القرار رغم التصريحات الرسمية التي ظهرت في الفترة الأخيرة، حاملة تعهدات بعدم اللجوء إلى التدخل في الصرف، ورغم التراجع الكبير في احتياطيات النقد الأجنبي، كما أعلن الرئيس التركي دعمه لقرار البنك المركزي، مؤكدا أن القوانين الحاكمة للسلطات النقدية تسمح لها بالتدخل في سعر الصرف وقال أردوغان: “إذا احتاجوا التدخل بهذه الطريقة، فليفعلوا ذلك"، وجاء هذا التحرك بعد انهيار العملة التركية ليسجل سعر صرف الليرة التركية مقابل الدولار الأمريكي 13.87، مما يشير ارتفاع زوج الدولار/ ليرة تركية بواقع 46 سنت منذ بداية 2021 وكان رد الفعل المباشر لليرة التركية هو إظهار ارتفاع كبير، مما دفع زوج الدولار/ ليرة في الاتجاه الهابط مستقرا عند 12.5، لكن العملة التركية تناولت عن بعض مكاسبها لصالح الدولار الأمريكي ليرتفع الزوج مرة أخرى إلى 13.2.