بعد عِقد من التوتر.. هل تصبح الاستثمارات الإماراتية طوق نجاة أردوغان؟
يعول الرئيس التركي، رجب أردوغان، على الإمارات لتوفير ضخ نقدي لإنعاش الاقتصاد المتعثر في تركيا، فبعد 10 سنوات من المنافسة الإقليمية واتهام نظام أردوغان للإمارات بالتخطيط لإسقاط الحكومة التركية، زار ولي عهد أبوظبي محمد بن زايد آل نهيان أنقرة أمس الأربعاء، لتبدأ تركيا والإمارات العربية المتحدة رحلة تجديد العلاقات الذي انطلقت قاطرتها خلال العام الماضي بسرعة مفاجئة.
أدى ذلك إلى تساؤل الكثيرين عما يمكن أن يجنيه كل من الجانبين من هذا الوفاق المفاجئ، وقال مسؤولون أتراك، تحدثوا بشرط عدم الكشف عن هويتهم بسبب البروتوكول الحكومي، لموقع Middle East Eye الذي يصدر في لندن ويعد من وسائل الإعلام المقربة من قطر، إن إعلان الإمارات عن استعدادها للتقارب خلف الأبواب المغلقة في وقت سابق من هذا العام هو نقطة البداية لعملية مباحثات طويلة توجت أمس بزيارة الشيخ محمد بن زايد إلى تركيا، وذكر مسؤول تركي: "لا مجال للعواطف في السياسة الخارجية، فالكل يدرك أن السياسة الخارجية القائمة على الصراعات لا تفيد أي جانب".
يحرص المسؤولون الأتراك على تكرار القول المتفق عليه بأن تركيا لم تتراجع عن أي من مواقفها من أجل تحسين العلاقات مع محمد بن زايد، وذكر مسؤول آخر: "ما زلنا في ليبيا، وما زلنا في القرن الأفريقي، وما زلنا نفعل ما نفعله"، ويعتقد المسؤولون أن بعض التحركات الإماراتية التي أدخلت الإمارات في صراع مع تركيا، أدت إلى نتائج عكسية وأغضبت الولايات المتحدة.
ويرجح المسؤول التركي أن استراتيجية الإمارات السابقة كانت أكثر تكلفة بكثير ولكن لآن مع إدارة جو بايدن في البيت الأبيض، فإن أبو ظبي بحاجة إلى حلفاء لتحقيق التوازن ضد تهديدات إيران.
الشعور بالفرصة
توافق سينزيا بيانكو، الخبيرة الخليجية في مركز أبحاث المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية، على أنه يتعين على الإمارات العربية المتحدة إجراء تغييرات في السياسة بسبب المواقف الواضحة من إدارة بايدن والعوامل الداخلية، مثل الحاجة إلى تقليص الإنفاق وعدم تبني سياسة خارجية أمريكية عدوانية مكلفة وغير فعالة، وبالتأكيد تدار الدفة بعيدًا عن الصراعات من أجل التركيز بقوة على تعافي الاقتصاد الأمريكي بعد جائحة كوفيد.
وقالت بيانكو: "ومع ذلك، هناك أيضًا شعور واضح بوجود فرصة في التطبيع الحذر مع تركيا، في حين أن أنقرة ربما لم تغير سياساتها الإقليمية، فإن التصور هو أن الحكومة التركية أصبحت الآن أكثر انفتاحًا على التنازلات"، ولعل أبرز الأمثلة على ذلك هو النهج التركي الجديد تجاه قنوات التلفزيون الإخوانية التي كانت تنتقد مصر ليل نهار والتي تتخذ من اسطنبول مقراً لها، ففي وقت سابق من هذا العام، طلب مسؤولون أتراك من بعض القنوات، بما في ذلك القنوات التابعة لجماعة الإخوان المسلمين إنهاء بث بعض برامجها السياسية على الرغم من عدم طردهم من البلاد، كانت هذه الخطوة إعلانًا صريحًا بأن أنقرة تنأى بنفسها عن تنظيم الإخوان وتعرب عن الاستعداد للانفتاح على العلاقات الدافئة مع دول مثل الإمارات العربية المتحدة ومصر.
إحدى القضايا العالقة هي أن الحكومة التركية اتهمت أبو ظبي علنًا بتقديم المساعدة المالية لمؤامرة الانقلاب في عام 2016، وألقت باللوم بشكل رئيسي على محمد دحلان لكونه وسيط الإمارات، أما دحلان فينفي هذا الاتهام، ويبدو أن أنقرة فقدت الاهتمام بهذه القضية.
وقال مصدر منفصل مطلع على الاتصالات الإماراتية التركية إن الجانبين يتبادلان الآن وجهات النظر بشأن القضايا الإقليمية واتفقا على الاختلاف في بعض المجالات. وقال المصدر، على سبيل المثال، نقلت تركيا معارضتها لخطوات الإمارات هذا الشهر لتطبيع العلاقات مع الحكومة السورية.
الاستثمارات الإماراتية
كان ولي عهد أبو ظبي قد أبلغ أردوغان في مكالمة هاتفية في وقت سابق من هذا العام أنه مستعد لاستثمار ما يصل إلى 100 مليار دولار، ويرجح المراقبون أن الرقم لا يقل عن 10 مليارات دولار أمريكي وأيا كان الرقم فمن شأنه أن يعزز الاقتصاد المتعثر في تركيا، وأبدت هيئة أبوظبي للاستثمار والشركات المقربة من الشيخ محمد بن زايد اهتمامها علنًا بالرعاية الصحية وأهداف التكنولوجيا المالية وغيرها من الصناعات، وتتطلع إلى استثمارات تتراوح بين ثلاثة وأربعة مليارات دولار، وقبل بضعة أيام زار أبوظبي وفد رفيع من أنقرة برئاسة وزراء التجارة والاقتصاد برفقة رجال أعمال أتراك لمناقشة فرص الاستثمار.
وتأتي الوعود الإماراتية في الوقت الذي تعاني فيه تركيا من أزمة عملة متصاعدة تقوض الحكومة قبل الانتخابات الرئاسية لعام 2023، وتراجعت شعبية أردوغان إلى 38 بالمئة بحسب استطلاع أجري في أكتوبر، كما يُعتقد أن الدولار الأمريكي مدفوع بشكل أساسي بآراء أردوغان المناهضة لرفع سعر الفائدة، فقد ارتفع الدولار الأمريكي مقابل الليرة التركية بنحو 55 في المائة منذ بداية يناير وأصبح التضخم أعلى بكثير من 20 في المئة الرسمية.
في لقاء خاص في وقت سابق من هذا الشهر مع سياسي تركي، ورد أن أردوغان استشهد بالاستثمارات الإماراتية الكبيرة المحتملة كشيء من شأنه أن يساعده على استقرار الاقتصاد، ويقول المسؤولون الأتراك إن الاستثمار سيكون مفيدًا للجانبين، حيث تبحث الإمارات العربية المتحدة عن دول جديدة للاستثمار فيها وتعتبر تركيا سوقًا مربحة، و"ستكون هناك بعض الخطوات الإماراتية التدريجية لخفض التصعيد في المنطقة"، وبنظرة أكثر شمولاً، فإن هذه الاستثمارات الضخمة لن تصل في غضون عام ولكن في غضون عدة سنوات، الأمر الذي من شأنه تعزيز العلاقات الثنائية.
وتعتقد أبو ظبي أن الاصطفاف الإقليمي ضد تركيا في شرق البحر المتوسط، جنبًا إلى جنب مع الصعوبات الاقتصادية والمالية وأداء أردوغان المخيب للآمال في استطلاعات الرأي، من ضمن العوامل التي جعلت حكومة أنقرة أكثر انفتاحًا على السياسات الإقليمية في مقابل الحصول على الدعم الإماراتي، ويعد ملف ليبيا من أهم الساحات التي ستنعكس فيها نتائج التقارب الإماراتي التركي.