مجلة تتوقع تضاؤل الوجود العسكري والوزن السياسي الأمريكي في الشرق الأوسط
على مدار 4 عقود، كان التحول نحو حافة المحيط الهادئ على أجندة واشنطن، إذ أجبرت الإنجازات الاقتصادية الهائلة التي حققتها الصين الولايات المتحدة على اتخاذ مثل هذا الاختيار، ومن المرجح أن يتأثر الشرق الأوسط بمثل هذا التحول، ومع وجود العديد من القضايا المتعلقة بالدفاع على الأجندة الأمريكية فيما يتعلق بالشرق الأوسط، لكن يبدو أن 4 منها هي الأهم: تركيا وروسيا وسوريا وإيران.
وتعتبر العلاقات بين أنقرة وواشنطن موضوع نقاش حاد في وسائل الإعلام التركية، لكن هذا قد لا يكون أولوية قصوى بالنسبة للولايات المتحدة لأن العاصمتين ليستا على نفس المستوى من التأثير والنفوذ، وكنتيجة للخلافات بين أنقرة وواشنطن حول مجموعة متنوعة من القضايا، تبدو النقاشات بين العاصمتين وكأنها حوار للصم؛ فقد فشلت تركيا في فهم سبب عدم توقف الولايات المتحدة عن تقديم جميع أنواع المساعدة للمقاتلين الأكراد في وحدات حماية الشعب، الذين تربطهم صلات وثيقة بمنظمة حزب العمال الكردستاني المعارض، وتستخدم واشنطن مقاتلي وحدات حماية الشعب في سوريا لمحاربة أطراف أخرى لا تحبذها واشنطن على الأراضي السورية بالإضافة إلى تعزيز الهوية الكردية من جهة أخرى، وحتى الآن، لم تعط واشنطن أي إشارات بأنها قد تغير هذه السياسة.
على الجانب التركي، تضغط مجموعات مختلفة على الحكومة لحظر استخدام الولايات المتحدة لقاعدة إنجرليك الجوية المخصصة لحلف شمال الأطلسي وهي واحدة من القواعد الجوية الستة التابعة لحلف شمال الأطلسي في أوروبا وتستوعب ما يقدر بنحو 50 سلاحًا نوويًا وهي من أفضل المطارات تجهيزًا، حيث تضم ملاجئ طائرات محصنة ومدرج طويل بطول 3 كيلومترات، كما أنها موطن لحوالي 5000 جندي أمريكي ويتم استخدام المطار من قبل الولايات المتحدة والمملكة المتحدة، وأحيانًا القوات الجوية الملكية السعودية.
في عام 1975، أغلقت الحكومة التركية جميع القواعد العسكرية الأمريكية في تركيا كرد فعل على الحظر الذي فرضته واشنطن على أنقرة عقب عمليتها العسكرية في قبرص، وبعد ثلاث سنوات من العلاقات المتوترة، اضطرت الولايات المتحدة إلى رفع الحظر في عام 1978 وأعيد فتح قواعدها، وأشارت مجلة يوراسيا ريفيو إلى أن تآكل ثقة واشنطن في مصداقية تركيا دفع البنتاجون الآن للبحث عن بدائل أخرى لإنجرليك، ورجحت المجلة أن قاعدة الأزرق الجوية في الأردن من بين المرشحين المحتملين، وصمت الحكومة التركية حتى الآن آذانها عن مطالبها بإغلاق القواعد العسكرية الأمريكية في تركيا، لكن يجب أن تضع واشنطن في الاعتبار أن ما تهدد به أنقرة اليوم، قامت بتنفيذه بالفعل قبل 45 عامًا، وبصفتها حليفًا في الناتو، تشكو أنقرة بحق من الدعم الأمريكي المقدم للأكراد السوريين، لكنها ربما تفشل في إدراك أن لواشنطن أيضًا أولوياتها الخاصة التي قد لا تتوافق دائمًا مع أولوياتها.
القضية الأخرى المتعلقة بالدفاع على أجندة واشنطن هي علاقاتها مع موسكو، بالنظر إلى أن روسيا في طريقها لتأكيد نفسها كلاعب مهم على الساحة العالمية وهي ذات أقدام راسخة بقوة بالفعل في سوريا، كما أن الاضطرار إلى التعامل مع الصين على المسرح العالمي سيجعل مهمة واشنطن أكثر صعوبة في تعاملها مع روسيا، واستمر تحسن العلاقات بين الناتو وروسيا أقل من 30 عامًا إلى أن بدأت الخلافات الآن في الظهور على السطح، قررت روسيا مؤخرًا إغلاق مكتب ممثلها الدبلوماسي في مقر الناتو.
وأصبح البحر الأسود نقطة خلاف أخرى بين موسكو وواشنطن، وكان هذا البحر منطقة بحرية مستقرة خلال حقبة الحرب الباردة لأن اتفاقية مونترو لعام 1936 أنشأت توازنًا دقيقًا لحماية المخاوف الأمنية لروسيا، وبموجب هذه الاتفاقية، تعرضت السفن البحرية للدول غير المشاطئة لعدد من القيود في البحر الأسود، بما في ذلك أن حمولتها الإجمالية لا يمكن أن تتجاوز ثلثي أسطول أقوى دولة في البحر، أي روسيا. علاوة على ذلك، لم يُسمح للسفن البحرية غير المشاطئة بالبقاء في البحر الأسود لمدة تزيد عن 21 يومًا.
أدى انضمام بلغاريا ورومانيا إلى الناتو في عام 2004 إلى تغيير نموذجي مهم. من غير الواضح كيف سيؤثر ذلك على توازن القوى في المنطقة. إن الدعم القوي الذي قدمته الولايات المتحدة لأوكرانيا عامل آخر لزعزعة استقرار روسيا في البحر الأسود.
أما البند الثالث المهم على أجندة واشنطن في الشرق الأوسط فهو سوريا، إذ تهدف السياسة الأمريكية في سوريا بشكل أساسي إلى إضعاف حكومة دمشق واحتواء انتشار روسيا وإيران في البلاد، وتسير العملية الدستورية التي ترعاها الأمم المتحدة ببطء شديد كما يدعم عملاء واشنطن وموسكو وجهات النظر المتعارضة في هذه العملية، ويبقى الدعم العسكري الأمريكي للأكراد ودعم موسكو للأسد هما العاملان الرئيسيان وراء الكواليس.
القضية الرابعة هي إيران، حيث تنظر الولايات المتحدة إلى طهران على أنها عدو، لكن تفاصيل استراتيجيتها العسكرية تجاه البلاد غير واضحة، وفكرة إحياء الاتفاق النووي لخطة العمل الشاملة المشتركة راكدة، في الوقت نفسه تقوم إسرائيل بكل ما في وسعها لإقناع واشنطن بمعاقبة إيران بشدة، لكن تفاصيل كيفية تنفيذ ذلك لم يتم الكشف عنها بعد، وفي ضوء هذه الخلفية، من المرجح أن يتضاءل الوجود العسكري الأمريكي والوزن السياسي لواشنطن في الشرق الأوسط تدريجياً وليس فجأة.