"لصالح إثيوبيا".. أزمة السودان تلقي "ظلالا ثقيلة" على ملف سد النهضة
ثارت مخاوف جديدة منذ الأسبوع الماضي من تأثر عملية التفاوض بشأن السد الإثيوبي بالتوتر السياسي في السودان، وبعد مرور أقل من 24 ساعة على مستجدات الوضع على المشهد السياسي السوداني، قرر الاتحاد الأفريقي تعليق عضوية السودان ومشاركة الدولة في جميع أنشطته.
يأتي ذلك في الوقت الذي يسعى فيه الاتحاد الأفريقي إلى حل وسط بين مصر والسودان وإثيوبيا لاستئناف المفاوضات بشأن السد الإثيوبي وتأتي هذه الجهود الأفريقية في أعقاب البيان الرئاسي بشأن السد الذي اعتمده مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة والذي دعا إلى استئناف المفاوضات التي يقودها الاتحاد الأفريقي.
لا تزال المفاوضات بين مصر والسودان وإثيوبيا متوقفة منذ أن أكملت إثيوبيا ملء خزان سدها النهضة للمرة الثانية، ويقتصر التصعيد الدبلوماسي المصري والسوداني الدولي ضد إثيوبيا حتى الآن على توصيات بالعودة إلى طاولة المفاوضات، وفي الوقت نفسه تعثرت جميع محاولات الوساطة لتقريب وجهات نظر الدول الثلاث أو بدء جولة جديدة من المحادثات للتوصل إلى اتفاق ملزم بشأن ملء وتشغيل سد النهضة.
وقبل حل الحكومة في السودان، قام كريستوف لوتندولا، وزير خارجية جمهورية الكونغو الديمقراطية - التي تتولى حاليًا رئاسة الاتحاد الأفريقي لمدة عام - بزيارة السودان في 15 سبتمبر لمناقشة احتمالات استئناف المفاوضات.
وبدورها، كانت وزيرة الخارجية السودانية مريم المهدي على اتصال دائم بالقاهرة لتنسيق الإجراءات ضد الممارسات الإثيوبية الأحادية خلال عملية الملء الثاني لسد النهضة وأثار ذلك تساؤلات حول تأثير حل الحكومة واستمرار التوتر السياسي في السودان على التحركات والمواقف المصرية من نزاع سد النهضة.
وفي هذا السياق، يعتقد المراقبون، وفقًا لموقع فرانس 24 الإخباري أن تجميد عضوية السودان في الاتحاد الأفريقي في الوقت الحالي سيؤثر بلا شك سلبًا على الإجراءات المصرية السودانية فيما يتعلق بملف السد، ومن المتوقع أن تفقد هذه الإجراءات الزخم، وسيتم تخفيف الضغط على إثيوبيا للعودة إلى المفاوضات على الأرجح.
وسعت إثيوبيا إلى المماطلة وتعطيل المفاوضات من خلال اتخاذ إجراءات سريعة تهدف إلى تجميد عضوية السودان في الاتحاد الأفريقي ومثل هذه القرارات لا يتم تسريعها عادة تجاه أي دولة أفريقية، مما يدل على أن إثيوبيا هي التي اتخذت القرار ومن مصلحة إثيوبيا أن يكون لديها سبب غير متحيز يمكنها التذرع به أمام المجتمع الدولي لتأجيل المفاوضات حتى يحل نظام أبي أحمد مشاكله الداخلية، وعلى الأخص التوترات والحرب المستمرة في منطقة تيجراي.
ومنذ الإطاحة بنظام عمر البشير في أبريل 2019، اتخذ السودان - ولا سيما عنصره العسكري المكلف بإدارة المرحلة الانتقالية بمشاركة قوى الحرية والتغيير - مواقف متشددة ضد إثيوبيا، وتمكن الجيش السوداني من تحرير أراضي الفشقا من قبضة الإثيوبيين كما رفض السودان تحركات إثيوبيا الأحادية في سد النهضة وطالب بضمانات تلزم إثيوبيا بتقليل أي آثار سلبية متوقعة قد تعاني منها بسبب سد النهضة.
وللمفارقة، حدث تقارب بين إثيوبيا والسودان في بداية المرحلة الانتقالية فقد ساهمت إثيوبيا في المفاوضات بين الأطراف السودانية حتى صياغة الميثاق الدستوري للفترة الانتقالية 2019، وتعليقًا على إمكانية عودة إثيوبيا إلى طاولة مفاوضات سد النهضة، أكدت الخارجية الإثيوبية أنها ستحترم وتقر بقرار الاتحاد الأفريقي في هذا الصدد، وتعني احترام قرار الاتحاد الأفريقي بتعليق المفاوضات نتيجة لتجميد عضوية السودان.
وفي حديثه إلى موقع المونيتور الأمريكي، انتقد خبير الموارد المائية السوداني حيدر يوسف محاولة إثيوبيا استغلال الوضع الحالي في السودان كذريعة لتأخير المفاوضات، وقال: "إثيوبيا تمضي قدما في بناء سد النهضة وتستعد للملء الثالث دون انتظار نتائج المفاوضات سواء مع مصر أو مع السودان"، وأشار إلى أن الوضع السياسي في السودان لا يزال غير واضح على الرغم من أن العودة إلى المفاوضات مرتبطة بإلغاء تجميد عضوية السودان في الاتحاد الأفريقي، فإن المفاوضات نفسها ستكون عقيمة إذا استمرت إثيوبيا في اتخاذ إجراءات أحادية الجانب وسيظل هذا صحيحًا حتى لو تم الاتفاق على اتفاق قانوني ملزم.
وقال يوسف: "جرت مفاوضات سابقة عبر إدارات وحكومات مختلفة في السودان منذ 10 سنوات، وما زالت إثيوبيا لم تلب أيا من مطالب مصر أو السودان بعد صدور تقرير لجنة الخبراء الدولية. ولم تجر دراسات لتقييم سلامة سد النهضة أو آثاره البيئية والاقتصادية والاجتماعية، وتستمر في بناء السد ".
ومن هذا المنطلق، حذر يوسف من أن التوتر السياسي في السودان قد يطغى على قضية مياه النيل وأوضح: "نشهد الآن تغيرًا مناخيًا مع زيادة تصريف نهر النيل، ولكن رفض إثيوبيا للتنسيق وإخفائها لمعلومات مهمة بشأن إدارة ملء وتشغيل سد النهضة يهدد السودان.
قلل الباحث المتخصص في الشؤون الإفريقية محمد عبد الكريم من تداعيات التوتر في السودان على مسار مفاوضات سد النهضة، قائلاً: "الوضع في السودان ليس خطيرًا على مصر، حتى لو استؤنفت المفاوضات، لم يكن من المتوقع أن تأتي بأي جديد، التوتر الناشئ في السودان ذريعة جيدة تذرعت بها إثيوبيا وقد يبعد قرار الاتحاد الأفريقي بعض الضغط عن أديس أبابا".
وأضاف عبد الكريم: "لا يمكن الاعتماد على المفاوضات لحل أزمة سد النهضة، خاصة وسط إصرار إثيوبيا على احتكار قرار استكمال السد وسيكون من غير الواقعي اختيار المفاوضات في ضوء السلوك الذي أظهرته إثيوبيا"، وأوضح أن مصر اتخذت إجراءات بديلة لمواجهة إثيوبيا بشكل غير مباشر من خلال تكثيف توسعها الدبلوماسي في منطقة حوض النيل، مثل أوغندا وجنوب السودان. وقال "هذا هو أهم طريق بديل للدفاع عن المصالح المصرية في مياه النيل، وهذا أيضا من شأنه نسف الرواية الإثيوبية القائلة بأن مصر بعيدة عن محيطها الأفريقي".
وأكد الرئيس عبد الفتاح السيسي، في خطابه في أسبوع المياه بالقاهرة في 24 أكتوبر، على ضرورة "التوصل، في أقصر وقت ممكن ودون مماطلة، إلى اتفاق متوازن وملزم قانونًا" لأزمة سد النهضة. وحذر من أن "لن يخرج أحد منتصرًا في صراع طائش على مصدر الحياة الذي يجب توفيره لكل إنسان دون تمييز"، وفي غضون ذلك، ستسمح رئاسة القاهرة الشهرية لمجلس السلم والأمن الأفريقي اعتبارًا من 1 نوفمبر ببذل المزيد من الجهود الدبلوماسية داخل الاتحاد الأفريقي لمنع أي قرارات صادرة بشأن السودان من المساس بقضية سد النهضة، كما تجدر الإشارة إلى أن السيسي قد كرر في اجتماع مع رئيس جمهورية الكونغو الديمقراطية في الأول من نوفمبر، موقفه الثابت من التوصل إلى اتفاق ملزم قانونًا بشأن ملء السد وتشغيله، تحت مظلة الاتحاد الأفريقي.