"تلاعبوا بأوراق القضايا".. حيثيات أحكام قضية النصف تريليون جنيه
قضت محكمة جنايات شمال القاهرة برئاسة المستشار مجدي عبد الباري، بمعاقبة 16 متهما بالسجن المؤبد والمشدد، لاتهامهم بالتزوير ومحاولة الاستيلاء على 337 قطعة أرض مملوكة للدولة يقترب قيمتها من نصف تريليون جنيه، خلال الفترة من عام 2009 حتى فبراير 2020.
ولخصت المحكمة الواقعة في القضية رقم 5322 لسنة 2020 جنايات مصر الجديدة، حسبما استقرت في يقينها واطمأن إليها وجدانها مستخلصة من سائر أوراق الدعوى وما تم فيها من تحقيقات وما دار بشأنها بجلسات المحاكمة، وذلك بعد تلاوة أمر الإحالة وأقوال شهود الإثبات وسماع طلبات النيابة العامة والمرافعة ومطالعة الأوراق والمداولة.
وقالت المحكمة إنه بتاريخ 19 أغسطس 2007 خصصت هيئة التنمية السياحية قطعة أرض إلى شركة مصر میدیكا والتي يترأس مجلس إدارتها المتهم الثالث عمار إسماعيل لاشين رئيس مجلس إدارة الشركة، بمساحة قدرها 126000 متر مربع بمركز رأس درى بقطاع جنوب مرسی علم محافظة البحر الأحمر، وكذا قطعة أرض مزرعة سمكية بأسوان، إلا أنه تم إلغاء تخصيص القطعتين لعدم الالتزام بشروط التخصيص، وتم سحب هذه الأراضي واستردادها بتاریخ 16 سبتمبر 2007.
وأضافت المحكمة أنه قد أبرم عقد بيع ابتدائي بين الهيئة العامة للإصلاح الزراعي كطرف أول بائع وبين المتهم الثامن إسماعيل إسماعيل (محام) كطرف ثانی مشتری، تضمن شراء مساحة 3816.12 مترا مربعا بناحية العجمي مركز العامرية، ولم يلتزم الأخير بسداد الثمن في موعده، فلم تنتقل ملكية تلك الأراضى للمتهم المذكور، كما سبق للمتهم التاسع صلاح الدين مدنی (محام)، محاولة الاستيلاء على قطعتي أرض بحوض الرمال مركز بلقيس محافظة الدقهلية بمساحة ۲۷۰۰ فدان و۳۷۲۹ فدان.
وتابعت المحكمة بأن المتهم إسماعيل عرض رشوة على مسئولي الإصلاح الزراعي لقاء طلب تحریر مذكرة لصالحه تفيد أحقيته -على غير الحقيقة- في تملك هذه الأرض، وتحرر عن واقعة الرشوة الجنايتين رقمی 9734 لسنة 2013 عين شمس، و953 لسنة 2013 جنايات الدقي، والمقضي فيها غيابيا على المتهم سالف الذكر بالسجن المشدد، وإصرارا من المتهمين إسماعيل وصلاح والآخرين في تنفيذ مخططهم الإجرامي للاستيلاء على أراضي الدولة دون مقابل فزاغت أبصارهم إلى الحرام.
وذكرت المحكمة أن المتهم التالت عمار عكف باحثا عمن يساعدهم في تنفيذ مبتغاهم في الاستيلاء -ليس فقط على الأراضى سالفة البيان- بل على مساحات شاسعة من الأراضي المملوكة للدولة وأجهزتها المختلفة، وما أن وجهه شيطانه إلى المتهم العاشر أشرف عيسوى (محام)، فذهب إليه يتمطى مطلقا نفيره المحموم إلى القراصنة من باقي المتهمين ومن ضمنهم -للأسف- بعض الفاسدين من العاملين بالمحاكم والشهر العقاري والمحامين، فما كان منهم إلا أن انقضوا على ساحات المحاكم للعبث بميزان العدالة لتحقيق مآربهم القبيحة سالفة البيان، بإقامة الدعاوى المدنية المفتعلة.
وأضافت المحكمة أنه عقب قيام المتهم أشرف بارشاد المتهم عمار للتعرف على المتهم الثاني عشر محمد صلاح قرنی (محضر محكمة البدرشين الجزئية) قام بالاشتراك معه والمتهمين الخامس وليد والسابع فؤاد والعاشر أشرف والخامس عشر محمد خيري والسادس عشر محمود عبد العزيز والسابع عشر محمد فتحي، بتزوير إجراءات الإعلانات بصحف الدعاوى أرقام 394و395 و404 و584 و585 و595 و614 لسنة 2009 و25 لسنة 2010 مدنی جزئی البدرشين.
وتابعت المحكمة بأن المحضر لم ينتقل إلى العقار الميين بصحف تلك الدعاوى لمحل إقامة المدعى عليهم وإثبات انتقاله إلى الشارع دون العقار، وتواطئ مع المتهم السادس عشر المحامي محمود عبد العزيز بإعلانه باعتباره وكيلا عن المدعي عليه الثاني في الدعوى رقم 395 لسنة ۲۰۰۹ مدنی جزئی البدرشين مجدي بركات رئيس مجلس إدارة شركة 6 أكتوبر -على خلاف الحقيقة- وسلوكه ذات المسالك في تزوير إعلان العديد من المدعى عليهم في الدعوى سالفة الذكر وكذا الدعوى رقم 556 لسنة 2010 مدنی کلی أكتوبر.
وذلك بأن أعلن المتهم الثالث عمار بشخصه وباعتباره تابعا لكل من المدعى عليهم مجدي محمد محمود بركات والمدير التنفيذي لهيئة مشروعات التعمير بدون صفة للمتهم الثالت في استلام الإعلان عنهم، وبالتواطؤ مع الأخير، وكان ذلك لقاء مبلغ رشوة تقاضاها المحضر سالف الذكر عبارة عن مبلغ وقدره مائتي جنيه عن كل إعلان مزور وقد تحصل بالفعل على مبلغ 1200 من المتهم الثالث.
استطردت المحكمة بأنه عقب إعلان الدعوى سالفة الذكر يتم تزوير أوراقها من صحف تلك الدعاوی ومحاضر جلساتها والأحكام الصادرة فيها وتوكيلات الحضور بالجلسات وكل ما له صلة بتلك الدعاوى من أوراق وأجندات، تارة بالتزوير المادي واصطناعه، وتارة أخرى بالتزوير المعنوي، متناسين أن "كل نفس بما كسبت رهينة، وأن إلى ربك يومئذ المساق، ومن يغلل يأتي بما غل يوم القيامة ثم توفي كل نفس ما كسبت وهم لا يظلمون، فأما من طغی وأثر الحياة الدنيا فإن الجحيم هي المأوى وأما من خاف مقام ربه ونهی النفس عن الهوى فإن الجنة هي المأوى، ليجزي الذين أساءوا بما عملوا"، ولكن هيهات هيهات فقد اجتمع المتهمون على ضلالتهم وأصروا على تنفيذ مخططهم الإجرامي.
وتابعت بأن المتهم الثالت عمار استخدم التقنيات الحديثة وضمنها برنامج جوجل إرث في البحث عن مساحات شاسعة من الأراضي المملوكة للدولة وأجهزتها على مستوى الجمهورية وتحديد إحداثياتها، وأفصح لمساعده المتهم العاشر المحامي أشرف عيسوي سالم طلبه عن مآربهم في الاستيلاء على تلك الأراضي فأشار عليه الأخير -لما له من خبره في الضلال- بافتعال دعاوی مدنية وتحديد أطرافها على حسب هواهم وتقديم محاضر صلح مفتعلة فيما بينهم عن تلك الأراضي وصولا لإلحاقها بمحضر الجلسة في تلك الدعاوی وجعلها في قوة السند التنفيذي لإصدار الأحكام المزورة في نهاية المطاف بتملكهم لتلك الأراضي، وتنفيذا لهذا المخطط فقد أقام المتهم العاشر سالف الذكر كوكيل في 3 دعاوى عن المتهم الثالت عمار إسماعيل عبد الحميد لاشين وعن المتوفي أحمد السيد غازی، وعن المتهم السابع فؤاد إسماعيل عبد الحميد لاشين.
وعلى إثر تعرف المتهم الثالث "عمار" على المتهم الأول المتوفی "رضوان" أمين حفظ محكمة البدرشين الجزئية فقد صار اتفاق بينهما على تقاضى الأخير من الأول مبلغ ألفين وخمسمائة جنيه على سبيل الرشوة مقابل اختلاسه عريضة الدعوى ومحضر الجلسة الملحق به محضر الصلح كحكم قضائي في الدعاوي الثلاث، وكذلك دفتر جدول المدنى لمحكمة البدرشين الجزئية عام ۲۰۰۹ وعام ۲۰۱۰ وتسليمها للمتهم "عمار" لتزويرها، وبالفعل قام الأخير بالاشتراك مع المتهمين الرابع حتى الحادي عشر بتزوير المستندات سالفة البيان، وذلك بتغيير عدد أوراق صحف تلك الدعاوى بإضافة عدد مهول من الأراضي المملوكة للدولة وأجهزتها وإضافة اسم رئيس مجلس الوزراء ورئيس مصلحة الشهر العقاري من بين المدعى عليهم، وإثبات حضور ممثلين عن أجهزة الدولة المختلفة بمحاضر الجلسات منهم المستشار محمد عباس عضو هيئة قضايا الدولة عن رئيس مجلس الوزراء، وكذا آخرين عن جهات مختلفة للدولة وتغيير محضر الصلح المزور اصطناعه المؤرخ 24 سبتمبر 2009.
وذكرت المحكمة أن التزوير تم بخط يد المتهمة الرابعة نسرين، وزوجها المتهم الثالث عمار، إذ قامت الأولى بهذا التزوير خضوعا وامتثالا لطلب زوجها وهي تعلم حقيقة ما تفعله من تزوير، فقامت بتزوير بيانات وعبارات صلب محاضر جلسات الدعاوى أرقام 4 دعاوى لسنة 2009 مدنی جزئی البدرشين بكتابتها بخط يدها کاملا ووقعته بتوقيعات نسبتها زورا لسكرتير الجلسة، وكذا تزوير بيانات وعبارات صلب محاضر جلسات باقي الدعاوى وهي 4 دعاوى أخرى لعامي 2009 و2010 مدنی جزئی البدرشين، بكتابتها بخط يدها، فيما عدا الورقة الأخيرة في كل منها، والتي كانت محررة بخط سكرتير الجلسة وموقعة من القاضي وكذا الإخطار الموجه إلى هيئة قضايا الدولة والأوقاف في دعويين لسنة 2009 مدنی جزئی البدرشين.
وأضافت أن المتهم عمار زور بدفتر قيد الدعاوى المدنية بمحكمة البدرشين الجزئية بإضافة العبارة المقروءة "رئيس الوزراء بصفته" ببيانات القيد بدعويين، وعبارة "رئيس مصلحة الشهر العقاري" ببيانات إحدى الدعاوى، وكذا تزوير إخطارات قيد الدعاوى بكتابة صلب الإخطارات الموجهة إلى هيئة قضايا الدولة في 4 من الدعاوى، وكذا الأخطار الموجه إلى مصلحة الشهر العقاري في دعوى واحدة، وذلك بهدف إثبات تملك المتهمين (الثالث والسادس والسابع والثامن والتاسع) لمساحات شاسعة مملوكة للدولة، وعقب ما تم تزويره في أوراق الدعاوى سالفة الذكر أعادها حين ذاك المتهم الخامس وليد ابراهيم عبد العال إبراهيم إلى المتهم الأول المتوفی "رضوان" والذي دسها بدوره في الدعاوی سالفة البيان بملفتها.
تابعت المحكمة بأنه بناء على طلب المتهم "عمار" من المتهم الأول المتوفی "رضوان" والثاني "أحمد سعد" أمينا الحفظ بمحكمة البدرشين الجزئية، استخرجا صورة رسمية من محاضر الجلسات المزورة والملحق به محضر الصلح كحكم قضائي في تلك الدعاوی المزورة، وذلك باعتماد الصورة الضوئية كصورة طبق الأصل، وتم تدوين على كل منها بخط اليد ما يفيد استخراج تلك الأحكام مع علمهما بتزويرها واختلاف بياناتها عن المدون على تعلية الملف الداخلى للدعاوى.
فيما أقام المتهمين العاشر أشرف عیسوی والحادي عشر فؤاد محمد سلیمان لاشين استئنافات للأحكام المزورة في الدعاوي سالفة الذكر بقصد استنفاذ طرق الطعن عليها لكي تصبح قابلة للتنفيذ مع علمهما بتزوير الأحكام المستأنفة، وعلى أثر ذلك فقد أضحي ثابتا بتلك الأحكام المزورة -على غير الحقيقة- أن الدولة وأجهزتها في العديد من المحافظات قد تصرفت إليهم في كمية هائلة من الأراضي بالعديد من المحافظات على النحو المبين بتلك الدعاوى والأحكام الصادرة فيها.
قضى الحكم الصادر برئاسة المستشار مجدي عبد الباري، وعضوية المستشارين مصطفى عبد المجيد البدويهي ومحمد عبد الحكيم رضوان، وبحضور وكيل النائب العام محمد مؤمن، وأمانة سر رجب شعبان ومحمد علاء فرج، بمعاقبة 6 متهمين بالسجن المؤبد، ومعاقبة 4 متهمين بالسجن المشدد ١٥ عاما، ومعاقبة 5 متهمين بالسجن المشدد 10 سنوات، ومعاقبة متهمة واحدة بالسجن المشدد 7 سنوات، وانقضاء الدعوى الجنائية ضد متهم بالوفاة.
وجاءت تفاصيل الحكم بالأسماء، بالسجن المؤبد لكل من: عمار إسماعيل عبد الحميد لاشين، وفؤاد إسماعيل عبد الحميد لاشين، وصلاح الدين مدني عبد الرحيم، وأشرف عيسوي سالم طلبة، ووليد إبراهيم عبد الرحمن، ومحمد فتحي صادق محمد.
والسجن المشدد 15 عاما لكل من: أحمد إسماعيل عبد الحميد لاشين، وإسماعيل إسماعيل عبد الحميد لاشين، وفؤاد محمد سليمان لاشين، وحسن علي نصر الدين.
والسجن المشدد 10 سنوات لكل من: أحمد سعد محمد مصطفى، ووليد إبراهيم عبد العال، ومحمد صلاح قرني، ومحمد خيري عمرو، ومحمود عبد الحميد حسين، والسجن 10 سنوات للمتهمة نسرين السيد محمد السيد.
وتضمن الحكم عزل كل من أحمد سعد محمد، ومحمد صلاح قرني من وظائفهم، وتغريم كل من عمار إسماعيل عبد الحميد لاشين ومحمد صلاح قرني وحسن على نصر الدين مبلغ مالي ألفي جنيه، وبمصادرة المحررات المزورة المضبوطة والأدوات والأجهزة الموضحة تفصيلا بتحقيقات النيابة العامة وإلزامهم بالمصروفات الجنائية.