بعد تحريره للفشقة... هل السودان قادر على حماية أراضية من الميليشيا الإثيوبية
فيما يبدو أن الحديث عن منطقة أراضي الفشقة السودانية التي تمكن الجيش السوداني من تحريرها من قبضة ميليشيات إثيوبية، بعدما مكثت في حوزتهم قرابة الربع قرن، ستظل حديث الأروقة العسكرية والسياسية في البلدين، خاصة مع إصرار الجانبين على مطالبهما فيما يخص هذه الأراضي، إذ تزعم أديس أبابا أن لها أحقية في هذه الأراضي، فيما تعد تلك المنطقة وفق القانون الدولي والوثائق الدولية سودانية 100%.
وخلال الفترة الأخيرة، تمكن الجيش السوداني من طرد الميليشيا الإثيوبية من تلك المناطق، وكبد تلك الميليشيات خسائر كبيرة على مستوى الأرواح والآليات، وقد دأبت تلك الميليشيات بمساعدة قوات إثيوبية على شن هجمات على تلك المناطق مجددًا؛ في محاولة لاسترداد تلك المناطق، إلا أن جميع هذه المحاولات باءت بالفشل.
وفي ظل هذه الأحداث تبرز جملة من التساؤلات حول قدرات الجيش السوداني على المحافظة على المناطق، من جهة، وقدرات الميلشيا الإثيوبية المدعومة من القوات الحكومية على استعادة الأراضي التي تم فقدها، وخسارتها.
جنرال سابق
موقع "إنديبندنت عربية" نقل تصريحات مهمة لرئيس أركان القوات البحرية السودانية سابقاً الفريق أول ركن فتح الرحمن محي الدين صالح، إذ قال: "في نظري، وضع الجيش السوداني في الحدود الشرقية ممتاز جداً، ويتمتع بمعنويات عالية، بخاصة أنه يفرض سيطرته التامة على 95 في المئة من أراضي الفشقة. صحيح هناك جيوب صغيرة لا تتعدى 5 في المئة من المساحات حيث بعض المجموعات الإثيوبية، لكن لا أعتقد أن الإثيوبيين يفكرون في الاعتداء على هذه المنطقة عسكرياً بالنظر إلى مشكلاتهم الداخلية الكثيرة سواء في إقليم تيجراي أو أمهرة أو المناطق الجنوبية، فضلاً عن منطقة بني شنقول، فهذه التحديات معقدة للغاية ما يصعّب عليهم فتح جبهة قتال جديدة".
يتابع الجنرال السوداني المتقاعد: "منطقة الفشقة محصنة تماماً من ناحية الوجود العسكري، وكذلك في جانب المواثيق الدولية التي تثبت بأنها أرض سودانية 100 في المئة، حتى إن المسؤولين الإثيوبيين مقرّين بذلك خلال جلسات عدة عقدها معهم الجانب السوداني عامي 2016 و2017، إذ كنت ضمن المشاركين في هذه المفاوضات، لكن أخيراً بدأت أطماعهم تظهر بعدما وجدت المجموعات التي تقطن هذه المنطقة السند من السلطة الاتحادية في أديس أبابا، بخاصة أن الفشقة تضم أراضي زراعية بمساحات واسعة تنتج معظم المحاصيل التي يحتاجون إليها، فأراد الإثيوبيون فرض سياسة الأمر الواقع انطلاقاً مما يشهده السودان من مشكلات وإضرابات بحسب تفكيرهم".
فرص الصدام
وعن فرص الصدام بين البلدين، يقول صالح: "من غير الوارد دخول الطرفين في حرب، لكن إذا حصل ذلك، فالقوات السودانية جاهزة وبإمكانها هزيمة الجيش الإثيوبي بكل سهولة، نظراً إلى طبيعة المنطقة التي تساعد على عمليات القتال، فضلاً عن توافر الروح القتالية للجندي السوداني، وكذلك الإمكانات اللازمة إذ تنتج المصانع المحلية كل أنواع الأسلحة من الذخيرة إلى ما يتعلق بالطائرات الحربية، لذلك فإن الكفة في صالح قواتنا"، مرجعاً فشل الوساطات الدولية والإقليمية إلى تعنّت الجانب الإثيوبي برفضه الجلوس للتفاوض وفق ما هو موجود من خرائط ووثائق، ويعتقد الإثيوبيون أن السودان متشرذم سياسياً، لكنهم يتناسون أن الجيش لم يتأثر بما يدور في الساحة السياسية.
حائط صد
أما الباحث في الشؤون العسكرية والسياسية اللواء ركن أمين إسماعيل مجذوب، فيقول لـ"إنديبندنت عربية": "معلوم أن الجيش السوداني يسيطر حالياً على 95 في المئة من أراضي الفشقة، لكن هذه الأراضي والحدود الشاسعة لا يمكن تأمينها إلا بعدد كبير جداً من القوات، بالتالي يفضل أن تكون هناك قرى دفاعية بوجود مواطنين ومزارعين سودانيين يدافعون عن أنفسهم، إلى جانب ممارسة الزراعة بصورة مستمرة، بخاصة أن الفشقة محاطة بثلاثة أنهر، فضلاً عن هطول أمطار موسمية، مما يجعل المياه متوافرة بشكل دائم، لذلك إن مسألة السيطرة على هذه الأراضي تعتمد على تحركات الجانب الإثيوبي، الذي يمارس حرب العصابات، وينفّذ عمليات إجهاضية من خلال الضغط على السكان، وخطف الأطفال والنساء، والمطالبة بالفدية لإطلاق سراحهم، إذ إن هذه الهجمات تهدف إلى زرع الخوف لدى السكان، وإجبارهم على التوجه غرباً نحو المدن الرئيسة، والابتعاد عن المناطق الخصبة الزراعية، لكن من حيث التأمين الخارجي لمنطقة الفشفة، فإن الجيش السوداني جاهز ومستعد لهذه المهمة".
وتعتبر الخرطوم منطقة الفشقة أرضاً سودانية تنتظر فقط وضع العلامات الحدودية مع الجارة إثيوبيا، بينما ترى أديس أبابا الفشقة أرضاً مكتسبة، باعتبار وجود مواطنيها فيها لأعوام طويلة، بالتالي ترفض الاعتراف باتفاقية 1902، وتتمسك فقط بالسماح بدخول بعض المزارعين لفترة مؤقتة، لذلك الخيارات المتوقعة هي استمرار الصراع العسكري كخيار أول، أو الدخول في مفاوضات من أجل حسم النزاع باعتبار أن الأراضي سودانية كخيار ثانٍ، أو الاتجاه نحو إيجاد شراكة ذكية بالسماح لبعض الإثيوبيين استثمار أراضٍ في الفشقة مقابل الإيجار بشرط اقتسام العائدات مع الجانب السوداني، أو استئجار هذه الأراضي لأعوام طويلة.
ثلاثة أنهار
وتشمل منطقة النزاع الحدودي بين السودان وإثيوبيا ثلاث مناطق هي الفشقة الكبرى والفشقة الصغرى والمنطقة الجنوبية، حيث تقع بين ثلاثة أنهر، هي نهر ستيت شمالاً، ونهر عطبرة غرباً، ونهر باسلام جنوباً وشرقاً، ما جعلها في فترات الخريف تعاني من انقطاع عن بقية أجزاء البلاد بسبب وعورة الطرق وعدم تعبيدها، ما دفع الجيش السوداني عقب سيطرته عليها إلى شقّ طرقات وتعبيدها وإنشاء المعابر لتسهيل حركة السير بين أجزائها.
وتمكّن الجيش السوداني في 4 ديسمبر الماضي، من فرض سيطرته على مناطق كانت تستولي عليها عصابة الشفتة الإثيوبية منذ 1996، وهي أراضٍ سودانية وفقاً لاتفاقيات عام 1902، في الوقت الذي ترفض أديس أبابا اعترافها بهذه الاتفاقية، وطالبت الخرطوم بالانسحاب إلى حدود قبل 6 نوفمبر الماضي، كما اتهمتها بالسيطرة على معسكرات داخل الأراضي الإثيوبية.
ويعود تاريخ النزاع بين الدولتين حول منطقة الفشقة التي تقدر مساحتها الزراعية بنحو مليون فدان، إلى خمسينيات القرن العشرين، لكنه ظل قائماً بين المزارعين من الجانبين من دون تدخل الحكومتين.
اتفاقيات دولية
ووقّع البلدان (السودان وإثيوبيا) في 1972 اتفاقاً بشأن القضايا الحدودية، وكانت الدول في منظمة الوحدة الأفريقية (الاتحاد الأفريقي حالياً) صادقت عام 1963 على عدم تغيير الحدود المرسومة بواسطة الاستعمار، واعتمادها حدوداً فاصلة بين الدول المستقلة، بالتالي أصبح خط قوين، هو المعترف به دولياً بين أديس أبابا والخرطوم.
وجرى رسم خط قوين عام 1902، ضمن اتفاقية أديس أبابا في العام ذاته، خلال فترة الحكم الثنائي (البريطاني-المصري) للسودان، وجرى الترسيم بواسطة الميجر البريطاني تشارلز قوين، فأصبح الخط يُعرف باسمه.
وتحاذي إثيوبيا أربع ولايات سودانية، هي القضارف وسنار وكسلا والنيل الأزرق، على مسافة 744 كيلومتراً، في حين يمتد شريط الحدود بين ولاية القضارف وإقليمَي تيغراي وأمهرة الإثيوبيين، بنحو 265 كيلومتراً.