الخميس 25 أبريل 2024 الموافق 16 شوال 1445
رئيس التحرير
شيماء جلال
عاجل
تقارير

السد الإثيوبي وتأثيره على الصراعات الداخلية في أديس أبابا

الرئيس نيوز

نشرت مجلة Maritime Executive المهتمة بقضايا البحرية والمياه تقريرًا يرصد أحدث تطورات أزمة السد الإثيوبي وتداعياتها الإقليمية، وسط حرب مريرة ومجاعة وشيكة في منطقة تيجراي الشمالية بإثيوبيا، وانقسامات عرقية عديدة تكافح حكومة أديس أباب من أجل الترويج لفكرة خرافية هي أنه لا تزال هناك قضية واحدة توحد الإثيوبيين، بغض النظر عن آرائهم السياسية ومؤداها: أن بلادهم لها الحق المطلق في تطوير واستخدام إمكاناتها الكهرومائية على النيل الأزرق (أو كما يسمى محليًا نهر أباي)، ولكن هذا وهم وغير حقيقي بالنظر إلى أن جبهة تيجراي التي بدأت بناء السد تجلس اليوم في مقاعد المتمردين بعد أن سيطرت على مقاعد الحكم على مدار 30 سنة.  

يقع السد المثير للجدل على بعد حوالي 25 ميلاً من الحدود مع السودان ويعد السد جزء من الاستمرارية بين النظام السياسي الإثيوبي المخلوع، الذي بدأ البناء ويجد نفسه الآن يقاتل الحكومة الفيدرالية في صراع على إقليم تيجراي، وحكومة ما بعد 2018 لرئيس الوزراء أبي أحمد.

قام كل من السودان وأوغندا ببناء سدود كبيرة على نهر النيل في السنوات الأخيرة، وهناك العديد من السدود القديمة على الجزء السوداني من النيل الأزرق. حتى الآن، كان أكبر سد على النيل في أسوان، بقدرة مركبة 2100 ميجاوات. وتم الانتهاء من بنائه في عام 1970، حيث حول وجه الحياة في مصر من خلال إنهاء فيضانات النيل الموسمية، وزراعة مئات الآلاف من الأفدنة من الأراضي الصالحة للزراعة والمروية بالأساليب الحديثة، ووفر الكهرباء لملايين المصريين.  

ولا تزال أديس أبابا تعد بتوفير الطاقة لملايين من الإثيوبيين؛ ولكن الكثير قد تغير منذ عام 1970. ففي ذلك الوقت، لم يكن في مصر سوى 27 مليون نسمة، وإثيوبيا 22 مليونًا، والسودان 8 ملايين. في عام 2020، بلغ عدد سكان مصر 102 مليون، وإثيوبيا 115 مليونًا، والسودان 44 مليونًا. لكن النمو السكاني في إثيوبيا في المستقبل يعد بأن يكون الأكثر انفجارًا، حيث سيتضاعف بحلول عام 2050 إلى أكثر من 200 مليون ؛ ومن المتوقع أن تنمو مصر إلى 160 مليونًا، والسودان إلى 80 مليونًا. حتى لو تباطأ النمو السكاني بشكل كبير، فمن الواضح أن كمية المياه المتاحة لن تزيد على أساس نصيب الفرد.

وأكد التقرير أن مخاوف مصر بشأن السد الإثيوبي لها مئات المبررات، في ظل التحديات الاقتصادية الهيدرولوجية الحالية والمستقبلية لبلد المصب.

 ويأتي أكثر من 80 في المائة من مياه النيل التي تصل مصر من النيل الأزرق والمرتفعات الإثيوبية. في اعتراضها على سد النهضة، وصفت مصر القضية على أنها أزمة وجودية وطنية. في نزاع سد النهضة، تم تجاهل مسائل الانفعال والهوية لصالح الحجج المادية والتقنية حول الأمن المائي وهي وجهة نظر مصرية موضوعية تماماً في التعامل مع الأزمة.

وأشاد التقرير بسعي مصر إلى الوصول إلى حلول وسط تقنية بشأن تشغيل السد. ومع ذلك، فإن أكثر من 80 في المائة من المياه في مصر تستهلكها الزراعة، وأي تهديد بنقص حصة مثر من مياه النيل بفرض تحديات إضافية على قدرة البلاد على الاحتفاظ بخصوبة التربة وتحدي الصحراء.
في سبتمبر، أعلنت إثيوبيا أن سد النهضة سيبدأ في إنتاج الطاقة في الأشهر المقبلة. يستمر بناء السد على الرغم من الجمود في المفاوضات الثلاثية بين مصر وإثيوبيا والسودان. في الوقت الحالي، أدى هطول الأمطار الغزيرة والتدفقات الموسمية المرتفعة على النهر إلى تجنب حدوث أزمة، مما سمح للسد بالملء دون عواقب كبيرة في اتجاه مجرى النهر. لكن منذ عدة سنوات، تغير وصف النزاع بشكل طفيف. استمر الجدل حول السد كما لو أن يوم الانتهاء لن يأتي أبدًا. يكاد يكون سد النهضة أمرًا واقعًا. والآن، تتدفق المياه إلى الخزان كل يوم أكثر مما يمكن أن يخرج فعليًا من جدار السد. لذلك لم تعد المفاوضات تدور حول تغيير افتراضي على النهر فالتغيير موجود بالفعل وليس تخيليًا.

نظرًا لحجمه، يمكن أن تكون حالة سد النهضة مثالًا مهمًا على كيفية الاقتراب أو عدم الاقتراب من إدارة المياه العابرة للحدود في المستقبل في عالم يزداد معاناةً من ندرة المياه. يعبر أكثر من 260 مستجمعاً مائياً حدود بلدين أو أكثر، ويعيش حوالي 40 في المائة من سكان العالم في أحواض الأنهار والبحيرات العابرة للحدود. لذا تبرز سياسيًا ضرورة التعاون الإقليمي.
وفي إثيوبيا، على الرغم من الحرب والاقتصاد المتدهور والضغط الدولي المتزايد، فإن سد النهضة يمثل أولوية لا جدال فيها ونقطة فخر وطني؛ بالنسبة للبعض، هو سبب في بعض الأحيان لدعم حكومة أبي أحمد حتى لدى الذين يدركون تمامًا أنها تقتل الآن أولئك الذين بدأوا بناء السد وتصر على تجويعهم وترتكب بحقهم الإبادة الجماعية.