السبت 20 أبريل 2024 الموافق 11 شوال 1445
رئيس التحرير
شيماء جلال
عاجل
أراء كتاب

نحو الحق|عصام شيحة يكتب: الأحزاب.. بصدق وأمانة

الرئيس نيوز

لا يمكن التشكيك في شِدة قناعتي بالأحزاب السياسية، كمفهوم يمثل نبتًا ديمقراطيًا بالأساس؛ إذ نشأت الأحزاب من رحم ممارسات ديمقراطية بسيطة، أثمرت عن ظاهرة الأحزاب باعتبارها مكونًا رئيسًا في النظام السياسي، وليس مجرد ديكور يُقصد منه "تربيح" المقربين، وإضفاء قدر من الوجاهة الاجتماعية.
 لا يعود إيماني بالأحزاب إلي كوني عضوًا في حزب الوفد منذ ما يقرب من أربعين عامًا؛ وإنما ليقيني التام في أهميتها وجدواها لتحقيق التنمية المرجوة، لا أقصد التنمية السياسية فحسب، ولكن أيضًا التنمية الاقتصادية والاجتماعية، وكل ما يدخل في بناء نهضة المجتمعات ووصولها إلي تحقيق الطموحات الشعبية المشروعة في حياة كريمة حرة.
 من هنا أجدني في حرج شديد عندما أكون مُضطرًا إلي توجيه نقد لاذع لأحزابنا. وبالمناسبة أملك الشجاعة التي تجعلني أُصرح أن عيوب وسلبيات أحزابنا لا يمكن إعفاء الأنظمة التي حكمت مصر قبل ثورة الثلاثين من يونيو من كثير من الممارسات التي أضعفت الأحزاب كثيرًا، ودفعت بها إلي الخلف بعيدًا عن اهتمام الناس، ثم أُضيف إلي ذلك دور بعض القيادات الحزبية التي لم تكن علي مستوى المسؤولية، وغيرها ممن حملوا قناعات حقيقية بأهمية الأحزاب لكنهم لم يتمكنوا من مقاومة التيارات الضارة بالأحزاب، فِكرًا وممارسةً.
أقول هذا وأنا حزين علي ما بلغته معظم أحزابنا من ضعف وابتعاد عن الشارع. تسألني وما الجديد في الأمر؟. أقول لك أن الجديد أن يستمر التردي والضعف في وقت تحقق فيه الدولة المصرية قفزات واسعة واثقة غير مسبوقة علي طريق التنمية المًستدامة، مصحوبةً بنمو كبير في نفوذها السياسي، إقليميًا ودوليًا، ما يعني أن منظومة القوة الشاملة للدولة تكتسب كل يوم جديدًا يصب في رصيدها، ويشهد علي ذلك المجتمع الدولي كافة، بدوله ومنظماته الدولية، بل ومؤسساته الاقتصادية الدولية، الكل يُقر بما حققته مصر من نجاحات لافتة علي المستويات كافة.
 ثم يجول في خاطرك: ما هي مُسببات النجاح للدولة المصرية في عهد ثورة الثلاثين من يونيو؟. فتجد الأمر يتركز في "العمل"، المخلص الجاد، الذي لا يستهدف إلا المصلحة الوطنية، بعد "رضا الله" عز وجل. لا أدعي أن كل مؤسسات الدولة تعمل بنفس الكفاءة، لكن إرادة سياسية جادة تسعي بتصميم علي تحسين الأداء في القطاعات التي تأخرت عن الصدارة التي احتلتها قطاعات بعينها، مثل الطاقة، والنقل، والإسكان، والزراعة، وغيرها ويعرفهم المواطن جيدًا، وفي الطريق بعون الله التعليم، والصحة، وغيرها من مجالات العمل العام.
 ثم تسأل نفسك: ولماذا عجزت الأحزاب عن مُلاحقة هذا التطور الهائل في خطوات الدولة المصرية نحو أهدافها التنموية الشجاعة؟. أقول لك بكل بساطة... وألم: غياب أهم أسباب نجاح القطاعات السابق الإشارة إليها، "العمل" الجاد المخلص.!
 نعم، لا عمل جاد في كثير من أحزابنا، ولا صعوبة في ذِكر الشواهد علي ذلك: هل تعلم مجرد أسماء معظم أحزابنا، ولا أقول كلها؟. بالتأكيد إجابتك "لا". فغالبًا أنت لا تعلم إلا أسماء عدة أحزاب لا يُكملون أصابع اليد الواحدة. ولو سألتك عن برنامج أي حزب... أثق تمامًا أنك لا تعرف عن ذلك شيئًا، رغم أن البرنامج الحزبي هو الذي يحمل أفكار ومبادئ الحزب، وهو وسيلته للتعبير عن نفسه وسط حياتنا السياسية، وجذب الجماهير المُتفقة معه في أفكاره وأهدافه وقيمه ومواقفه.
 ما أتمناه أن أجد أحزابنا متواجدة في الشارع، مُلتحمة بالناس، تناقش معهم قضاياهم الحقيقية، وتطرح عليهم أفكارها ورؤاها التي وصلت إليها عن طريق دراسات علمية دقيقة، وليس مجرد شعارات تُطلقها قيادات حزبية أمام الشاشات تعلن فيها دعمها للدولة الوطنية التي أسستها ثورة الثلاثين من يونيو؛ فليس علي هذا النحو الساذج الكاذب يمكن أن تُشارك الأحزاب فيما تحققه مصر من خطوات كبيرة علي طريق التنمية.
 لا أود أن أمحو الأمل لدى القارئ العزيز وأذكر له كيف تُدار بعض أحزابنا الشهيرة، ناهيك عن الأحزاب التي لا وجود لها خارج الأوراق الرسمية، وبعضها مجرد شقة مفروشة ولا أكثر!. لكن هل ممكن أن ننتظر عملاً فعالاً من أحزاب تعيش علي بيع مناصبها القيادية لمن يتبرع للحزب؟!. هل يصح أن تفتقد أحزابًا شهيرة مركزًا للدراسات الجادة تستند إلي عمله ونتائجه لبناء رؤيتها الخاصة للقضايا الوطنية، وتقبض به علي جوهر المشكلات وتصل إلي حلول موضوعية لها؟!. هل يمكن أن ننتظر مُساهمة حزبية في تفعيل القيم الديمقراطية التي تصب في رصيد القوة السياسية لمصر كأحد عناصر منظومة القوة الشاملة للدولة، بينما هذه الأحزاب تفتقد أدني درجات الديمقراطية في إدارتها الداخلية؟!. هل من المأمول أن يمتلك حزبًا رؤي ومبادرات كفيلة بأن تكون بدائل حقيقية أمام الحكومة، بينما الحزب غارق في الصراعات الداخلية، وبعضها في المحاكم؟!. هل ننتظر خيرًا من قيادات حزبية وصلت إلي مواقعها الحزبية لقربها من أصحاب القرار الحزبي، أو لقدرتها علي التآمر وحَبك الحيل علي خلاف إرادة الجمعيات العمومية للأحزاب؟!.
 دعونا نأمل أن تستيقظ ضمائر غابت عنها المسؤولية الوطنية، وسيلاحقها التاريخ بالعار إذ تتراكم دواعي أدائها الهش المزيف الذي أطاح بأحزابها عن موقعاً محترمًا كان متوقعًا لها.
 لكن الأمل لا يمكن أن ينحصر في ذلك فحسب، وإلا حَسبته ضعفًا ويأسًا؛ إذ أن إرادة التغيير نحو الأفضل لابد وأن تكون قوية حاكمة، انحيازاً للوطن، واستلهامًا من تاريخ حزبي مُشرف امتلكته الحركة الوطنية لكنه مع الأسف مضي وابتعد كثيرًا... ولا يمكن أبدًا العيش علي سمعته، كما لا يصح أن يكون التاريخ بديلاً عن عمل جاد مخلص، ندعم به مشروع ثورة الثلاثين من يونيو... بصدق وأمانة.