"غير مكلفة لكنها لا تستهدف كل فئات الجمهور".. صناع الدراما ينقسمون حول المسلسلات القصيرة (2)
خلال الحلقات السابقة تحدثنا مع عدد من النقاد والمنتجين حول انتشار دراما الحكايات والمسلسلات القصيرة، ونستمر في فتح الملف خلال هذه الحلقة بالحديث مع عدد من مؤلفي ومخرجي الدراما، لكشف أسباب ونتائج انتشار هذه النوعية من الدراما بشكل كبير خلال الفترة الحالية.
الكاتبة والسيناريست دعاء حلمي
قالت الكاتبة والسيناريست دعاء حلمي في تصريحات خاصة لـ"الرئيس نيوز" أن أسباب انتشار دراما الحكايات والدراما القصيرة، يرجع إلى عدة أسباب أولها انتشار المنصات الإلكترونية، وعدم وجود أفكار تتحمل تقديمها في 30 حلقة، مع تغير طبيعة الجمهور الذي اصبح يهوى متابعة الأعمال القصيرة، إضافة إلى ضعف الكتابة وعدم وجود كاتب على تقديم عمل مكتمل في كافة عناصره في 30 حلقة سواء على مستوى الايقاع أو خلق الشخصيات والدوافع في الدراما، مؤكدة أن هذه النوعية من الدراما أصبحت تقضي على الملل والتطويل والمط.
وأضافت دعاء أن هذا الشكل الدرامي سيكون غالب على كافة المواسم خلال الفترة المقبلة، تمهيدا لاختفاء الدراما الطويلة تماما خلال عدة سنوات من الأن.
وتابعت دعاء :"للأسف ما نشاهده حاليا ليس دراما ولكنه نوع من الشكل الدعائي للمجتمع المصري، والدراما صراع وارشفة للتاريخ وهوية وما نقدمه الأن مشاكل وقتية لها علاقة بالخضانة والطلاق والمشاكل الأسرية وجميعها منحوت من نفس الجعبة وتمس طبقة اجتماعية واحدة ولم نشاهد الصعيد ولا الفلاحين ولا اختلافات الشرائح المجتمعية في مصر، إضافة إلى ذلك أن هذه الحكايات تناقش قضايا سطحية وبشكل طحي ولا تخترق القضايا بعمق ولذلك لا تعيش في الذاكرة".
وقالت: "هناك بعض الأفكار الجيدة ولكن تناقش بسطحية شديدة ومثلا منها مشكلة العنوسة تم تقديمها في أكثر من عمل بدون تجديد".
وأضافت: "هناك 36 تيمة ثابتة ومن الممكن أن تقدم بزوايا مختلفة ولكن للأسف نسير في نفس السياق ولا يوجد أي اختلاف، وهذه الأعمال تعرض ثم تموت بتوقف عرضها".
وأكدت دعاء أنه يجب أن نتغلب على أزمة الكتاب لأنها أزمة مرعبة ولا يوجد خيال خصب ولا يحمل كل كاتب من الشباب هم حقيقي كالهوية مثلا أو الأرشفة والتوثيق، فهذه الأعمال لا يمكن أن تنافس أعمال وحيد حامد ومحفوظ عبدالرحمن ويسري الجندي وغيرهم من كبار الكتاب الذين كان يحمل كلا منهم مشروع حقيقي وهدف مما يقدمه، وللأسف الأن غالبية القضايا أصبحت منزوعة الدسم ولا تحمل قضايا حقيقية، ولذلك ستجد الحديث عن الإخراج والكادرات والتصوير الجيد ولكن المحتوى الدرامي ضعيف جدا لا يتناسب مع الصورة.
وقالت دعاء :"للأسف شباب الكتاب يقدمون قضايا استهلاكية يومية هي قضايا مهمة ولكن في النهاية بلا أي عمق ثقافي وتم استهلاك الأفكار بشكل كبير".
وأنهت حديثها قائلة :"أعتقد أن الدراما الطويلة مستمرة لعدة سنوات أخرى ولكنها في طريقها للانتهاء والأدلة على ذلك كثيرة جدا، والفكرة في النهاية ليس عدد الحلقات ولا مدتها، فالأصل في البناء الدرامي الصحيح"، مشيرة أن الجمل الحوارية أصبحت ركيكة جدا ولا تلمس مشاعر المشاهدين، وأصبحت الكتابة سطحية وغير مؤثرة على الجمهور، ولذلك فقليلا من الحكايات والمسلسلات القصيرة يحقق نجاح، والأغلبية لا تحقق أي مردود جماهيري، وما يحدث لها فقط مجرد شو عبر مواقع التواصل الاجتماعي، ولكن على أرض الواقع وفي الشارع المصري فلا وجود لهذه الأعمال ولا تأثير.
وقالت أن الميزة الوحيدة في هذه النوعية من الدراما هي تفريخ عدد كبير من النجوم الشباب وإعطاء فرصة لعدد أكبر من الكتاب والفنانين والمخرجين، ويمكن استغلال الناجحين والمبدعين منهم في تقديم أعمال كبيرة مميزة.
السيناريست أيمن سليم
تحدث السيناريست أيمن سليم في تصريحات خاصة لـ"الرئيس نيوز" حول ظاهرة دراما الحكايات والدراما القصيرة قائلا :"حقيقة أنا معترض على انتشارها بهذا الكم وليس على وجودها من الأساس".
واستكمل حديثة :"لا مانع من وجودها ولكن يتوازى مع عرضها أعمال أخرى كدراما طويلة، لأنه لا يصح أن نشاهد هذا الكم من الحكايات القصيرة في موسم واحد، وجميعها عبارة عن مجموعة قصص لا ترقى لوصفها بالعمل الدرامي".
وقال : "أول أعمال قدمت في هذا الشكل كان "استيفا" و "نصيبي وقسمتك"، وهى تيمة موجودة في الخارج منذ زمن وحققت نجاح، ولكني ضد استمرارها بهذا الكم، لأن كل المسلسلات أصبحت عبارة عن 5 أو 10 حلقات فقط والجمهور تعود على أن يعيش مع الشخصيات ويحفظ أسماء الشخصيات ويرتب بها مثلما حدث في "ليالي الحلمية" وغيرها من الأعمال التراثية التي لازالت تحقق نجاح حتى الأن، وهذه النظرية لا يمكن أن تستمر مع المسلسلات القصيرة التي لا تتعدى 5 أو 10 حلقات، حتى اذا كان الممثل شاطر وقادر على تقديم الدور بشكل كبير، ولكنه لن يتمكن من ترسيخ الشخصية في ذهن المشاهد وستنسى الشخصية بأسرع وقت".
وأضاف سليم :"لا الممثل هيلحق يدخل في الشخصية ويتقمصها ولا هيسيب بصمة أو يعلم مع المشاهد من خلال مشاهد معدودة"، ووصف هذه النوعية بـ"دراما الساندوتش" لأنها سريعة الأكل وفي نفس الوقت لا تقضي على الجوع، وطالب بعدم تكرار التجربة بهذا الكم مره أخرى، مؤكدا أن ما يحدث حرق لشخصيات وأفكار من الممكن أن تخرج بشكل أفضل في عمل درامي طويل، مؤكدا أن هذه النوعية من الأعمال لا يتذكرها الجمهور فور انتهاء عرضها، واوضح أن بعض الأعمال من الممكن أن تكون أفكارها جيدة ولكن طريقة "السلق والكروته" تقضي على الموضوع ولا يمكن تقديمها من بعد في عمل أخر.
وقال سليم أن هذه النوعية تخرج من عباءة واحدة، وتتشابه مع برامج التليفزيون المصري القديمة التي كانت تعرض المشاكل الزوجية فقط، وتتناول أفكارا تقليدية تشبه أخبار الحوادث ومحكمة الأسرة، ولكن لا يمكن أن ترقى لوصفها بالدراما.
المخرج محمود كامل
أبدى المخرج محمود كامل سعادته بخوض تجربة الدراما القصيرة من خلال مسلسل "شقة 6"، وقال :"عندما قررنا تقديم هذه النوعية كان علينا في البداية اختيار الفكرة بما يتناسب مع جمهورها، ولذلك أرى أنه أول شئ يجب أن يتم الاستقرار عليه هو الفكرة نفسها ومدى مناسبتها لتوقيت العرض وجهة العرض".
وأضاف كامل أن الدراما القصيرة تختلف كثيرا لأنها غير مكلفة إضافة لكونها تقدم نموذج فني جديد على المشاهدين، خاصة أن العالم بأكمله يتجه لهذه النوعية من الدراما، خاصة بعد ظهور نتفليكس وباقي منصات البلات فورم.
وأشار أن المستهدف من هذه النوعية هو أعطاء الفرص لأجيال جديدة ومختلفة وتوزيع العمل بيهم للفرز، كما انها تتيح الفرصة لعدد أكبر من الممثلين والمخرجين والكتاب، وتقضي على المط والتطويل الذي يحدث في الدراما الطويلة.
وأشار أن المستهدف من هذه النوعية هو أعطاء الفرص لأجيال جديدة ومختلفة وتوزيع العمل بيهم للفرز، كما انها تتيح الفرصة لعدد أكبر من الممثلين والمخرجين والكتاب، وتقضي على المط والتطويل الذي يحدث في الدراما الطويلة.
المخرج محمد فاضل
تحدث المخرج الكبير محمد فاضل عن الدراما القصيرة ودراما الحكايات مؤكدا أنها ليست بالجديدة على الدراما المصرية، وقال في تصريحات خاصة لـ"الرئيس نيوز" :"البعض يحاول أن ينسب لنفسه هذه التجربة وهذا غير دقيق، لأنها قدمت كثيرا من قبل وحققت نجاح كبير، ولكن كانت تقدم بصيغة ومحتوى أفضل بكثير مما تقدم عليه الأن".
وأشار فاضل أنه ليس ضد هذه النوعية من الدراما، ولكنه ضد التكرار واستنساخ الحكايات وحكر الأفكار على المشاكل الزوجية والأسرية فقط، مضيفا أن الأزمة أن كل الأفكار تخرج من عباءة واحدة ولذلك نجد تشابه كبير جدا في الأفكار، ولا يوجد تنوع، إضافة إلى أن الأمر أصبح زائد عن الحد، لأن الدراما في النهاية يجب أن يكون لها تأثير مجتمعي وارتباط بالجمهور، والحلقات الجديدة التي تقدم لا تجذب الشريحة الأكبر من الجمهور، خاصة أنها تقدم نموذج مجتمعي واحد ولا تتجه للكثير من النماذج في المجتمع المصري، فمثلا لم نجد حكاية من الصعيد أو الفلاحين، فكل الحكايات تدور في اطار واحد وحول شريحة معينة من المصريين، وهذا أمر لا يليق، وأكد فاضل أن هذه النوعية من الدراما لا يمكن أن تؤثر على وجود الدراما الطويلة.
واشار فاضل أن ظهور المنصات الإلكترونية ساهم كثيرا في انتشار مسلسلات الحلقات القصيرة، لأنها تتناسب مع الوسيط الجديد، ولكنها لا تتناسب مع جمهور التليفزيون، ولذلك يجب أن يكون تقديمها من خلال وسيط يتناسب معها.