السبت 20 أبريل 2024 الموافق 11 شوال 1445
رئيس التحرير
شيماء جلال
عاجل
تقارير

"لغز المشير": طنطاوي فوجئ بتفويض مبارك للجيش.. وكان يردد "ربنا ميحكمش عليا أكون رئيس" (2)

الرئيس نيوز

مبارك قال لطنطاوي: كيف حسمتم أمركم دون العودة للقائد الأعلى؟".. والمشير رد: "عقيدتنا ثابتة"
مبارك قاطع عنان: "دم إيه كفى الله الشر.. أنتم المسؤولون عن حماية الشرعية"
زكريا عزمي قال لطنطاوي: "شيلها أنت يا سيادة المشير".. وشفيق صاحب اقتراح الاتصال الأخير بمبارك
طنطاوي قال لعمر سليمان: "متروحش القصر.. مكتبك عندي".. وسليمان فوجئ برفع الخط الساخن من منزله

كانت الجماهير غاضبة في الميادين بينما الرئيس في القصر الرئاسي يبدو أنه لا يدرك حجم الغضب الشعبي، لذلك فإن المجلس الأعلى للقوات المسلحة قرر أنه سيعلن موقفه بوضوح، بأنه سيحمي المواطنين ولن يتعرض لأي منهم بالعنف، بالإضافة إلى تفهمه لمطالبهم المشروعة.

ذلك الأمر ضايق "مبارك" للغاية، فبحسب ما يرويه مصطفى بكري، فإنه في مساء الأول من فبراير عقد الرئيس اجتماعا بحضور كل من عمر سليمان، الذي أصبح نائب رئيس الجمهورية، وأحمد شفيق رئيس الوزراء والمشير طنطاوي القائد العام ووزير الدفاع والفريق سامي عنان رئيس الأركان واللواء نجيب عبد السلام قائد الحرس الجمهوري.

في اللقاء، وجَّه مبارك اللوم إلى المشير طنطاوي بسبب البيان الذي أصدرته القيادة العامة للقوات المسحلة وأكدت تفهمها للمطالب المشروعة للمتظاهرين، وعدم استخدام العنف ضدهم.



يروي المؤلف: "عندما تساءل الرئيس عن سبب إصدار هذا البيان رد المشير بأن البيان يعكس موقف القوات المسحلة المعروف برفض استخدام العنف ضد أبناء الشعب المصري وهو موقف ليس بجديد بل عقيدة ثابتة. 

وعندما قال الرئيس: ولكن البيان سوف يشجع المتظاهرين على الاستمرار في التصعيد، ورفع سقف المطالب وأن ذلك ما كان يجب أن يتم دون التشاور مع القائد الأعلى؛ قال المشير: كان يجب أن تكون هناك خطوات عملية لتهدئة مشاعر الغاضبين والمتظاهرين".

حاول "مبارك" استخدام ورقة أخرى للضغط على الجيش. يستكمل المؤلف: "قال الرئيس: ألا تدركون أنكم أنتم المسئولون عن حماية الشرعية؟! فرد الفريق عنان: نحن قلنا إننا لن نتورط في إراقة دم المتظاهرين، وهنا قاطعه مبارك وقال: "دم.. دم إيه كفانا الله شر الدماء، أنا أردت فقط أن أقول إنكم حسمتم أمركم مبكرا دون العودة إلي بصفتي القائد الأعلى للقوات المسلحة وأكرر كلامي أرجو ألا تنسوا أنكم مسؤولون عن حماية الشرعية!".

بعد أسبوع، وفي يوم الثامن من فبراير، كان المشير طنطاوي في اجتماع بالقصر الرئاسي لبحث آخر التطورات، فقابله زكريا عزمي رئيس ديوان رئيس الجمهورية، وبادره بالقول: "شيلها يا سيادة المشير، أنت وافق بس واحنا نطرح الموضوع على الرئيس، وهو لن يمانع أبدا، هو نفسه لا يريد الاستمرار وخايف البلد تضيع، لكن مع الجيش مش هتضيع".



يعلق المؤلف في إشارة إلى أزمة مبارك، قائلا: "لم تكن هناك إجابة محددة لدى المشير، كان يعرف تماما أن القرار هو بيد الرئيس، وأن مبارك ما زال متمسكا بالسلطة بفعل ضغوط داخل البيت الرئاسي، حتى وإن كان لا يرغب بالاستمرار في تحمل المسؤولية".

مرت الساعات التالية وجاء يوم النهاية، 11 فبراير 2011. وقتها كان "مبارك" قد غادر إلى شرم الشيخ خلال صلاة الجمعة، وفوض نائبه في صلاحياته، لكن الأمر لم يكن كافيا بعد لتهدئة الغاضبين.

وفي المساء، ذهب عمر سليمان إلى المشير بمقر وزارة الدفاع، ومعه الفريق أحمد شفيق رئيس الوزراء.

يروي "بكري" تفاصيل المشهد الذي أكده أكثر من مطلع على الأحداث آنذاك: "طرح الفريق شفيق أن يتولى سليمان الطلب من مبارك بالتنحي عن السلطة إنقاذا للبلاد. كان من رأي المشير طنطاوي أن الرئيس قد لا يوافق على هذا الاقتراح مما يعرض أمن البلاد للخطر، إلا أن عمر سليمان عندما تحدث معه وأحاطه علما بالتطورات فوجئ بأن الرئيس يبدي موافقة سريعة أذهلت الحاضرين".

قال "مبارك" لنائبه تليفونيا: "أنا لا أريد المنصب المهم إنقاذ البلاد"، ولكنه اشترط ضرورة أن يتضمن قرار "التخلي" عن السلطة إسنادها إلى المجلس الأعلى للقوات المسلحة.

وبالنسبة لرد فعل وزير الدفاع يقول المؤلف: "كان القرار مفاجئا للمشير، لكنه كان متوقعا من قِبل البعض".

رحل "مبارك" إذن وبدأ التخطيط لكيفية إدارة المرحلة الانتقالية، لذلك ناقش المجلس الأعلى للقوات المسلحة أكثر من تصور، من بينها اقتراح بتشكيل مجلس رئاسي برئاسة المشير طنطاوي على أن يتولى عمر سليمان منصب نائب الرئيس، إضافة إلى ثلاثة آخرين.

لكن الاقتراح تعطل، إذ كان رأي بعض أعضاء المجلس العسكري "أن هذا الاقتراح سيجر على البلاد مشاكل عديدة، حيث سيعتبره البعض امتدادا لنظام الرئيس السابق ويتخذون منه مادة للتصعيد".

تم الاتفاق إذن على أن يتولى المجلس العسكري وحده إدارة شئون البلاد لحين تسليم السلطة لرئيس منتخب من الشعب. ويشدد المؤلف على أن المشير طنطاوي "كان يصر من البداية على أن الرئيس المقبل يجب أن يكون مدنيا واتفق مع أعضاء المجلس على عدم ترشح أي منهم في الانتخابات الرئاسية المقبلة".

في قلب كل هذه التطورات، كان هناك شخص صاحب وضع حساس، إنه نائب الرئيس اللواء عمر سليمان، الذي كانت تجمعه علاقة طيبة بالمشير طنطاوي، فكيف جرى إخراجه من الصورة بعد رفض مقترح المجلس الرئاسي؟



يروي المؤلف: "في السابعة من مساء السبت 12 فبراير حضر اللواء عمر سليمان والفريق أحمد شفيق إلى مقر وزارة الدفاع والتقيا بالمشير طنطاوي حسب ما هو متفق عليه، وخلال اللقاء شعر سليمان أن فكرة المجلس الرئاسي تم العدول عنها".

يستكمل المؤلف أنه عندما قال اللواء عمر سليمان للمشير في نهاية اللقاء: "أنا سأذهب إلى مكتبي في القصر الجمهوري بالاتحادية"، رد عليه المشير قائلا: "مكتبك هنا معي، ولا داعي للذهاب إلى قصر الرئاسة".

يعقّب المؤلف قائلا: "تأكد عمر سليمان أن الأمر قد حُسم وانتهى، ولم يعد له مكان في نظام الحكم الجديد. وعندما عاد إلى بيته فوجئ أيضا بأن الخط الساخن قد سحب من منزله دون إخطار".

في ذلك اليوم، زار الأمير سعود الفيصل، وزير الخارجية السعودي، القاهرة، والتقى بالمشير طنطاوي، لمناقشة التطورات التي تشهدها مصر في هذا الوقت.

ويكشف "بكري" بعض كواليس ما جرى آنذاك قائلا: "قبيل نهاية اللقاء قال الأمير سعود الفيصل: "لقد علمت من بعض المصادر أن هناك من يرغب في ترشيح عمر سليمان لمنصب رئيس الجمهورية عندما يحل الموعد، فهل يمكن أن يكون لديكم مانع؟".



يشير "بكري" إلى أن المشير  طنطاوي أخذته الدهشة والمفاجأة من السؤال، ربما في إشارة إلى أنه لم يكن يتوقع فكرة أن يترشح "سليمان" بعد سقوط "مبارك".

لكن على أية حال، فإن المشير رد على المسئول السعودي قائلا: "وما المانع، نحن لسنا طرفا، كل من يرغب في أن يرشح نفسه يوم أن يحل الموعد سيكون المجال مفتوحا للجميع".

ويروي المؤلف" أن عمر سليمان سمع بما حدث في المقابلة فطلب لقاءً مع المشير على الفور، ونفى له أن يكون هو من أوحى لـ"الفيصل" بالسؤال، مؤكدا عدم رغبته في الترشح قائلا: "دوري قد انتهى، ولا أريد شيئا من الدنيا. أريد أن أمضي ما تبقى من عمري مع أولادي وأحفادي".

واقعة أخيرة يشير لها المؤلف في تلك الأجواء، وهي ظهور المشير طنطاوي بالبذلة المدنية في وسط البلد مساء 27 سبتمبر 2011، وبث التلفزيون للقطات تظهره وهو يحيي المواطنين.



يقول المؤلف إن المشير أبدى دهشته آنذاك من الأخبار التي انتشرت في هذا الوقت عن أنه تعمد الظهور بهذا الشكل لـ"جس نبض" فكرة ترشحه للرئاسة.

ويلفت "بكري" إلى أن المشير رفض أكثر من مرة اقتراحات بتوليه مقاليد الحكم، منها ما اقترحه الصحفي الراحل محمد حسنين هيكل بتسمية طنطاوي رئيسا للبلاد لضبط أداء الدولة.

ويروي المؤلف: "عندما عرض هذا الاقتراح على المشير طنطاوي كان يقول دوما: "ربنا ميحكمش عليا أكون رئيس أبدا، أنا أنتظر بفارغ الصبر لتسليم السلطة إلى رئيس مدني منتخب في أقرب وقت".