الجمعة 22 نوفمبر 2024 الموافق 20 جمادى الأولى 1446
رئيس التحرير
شيماء جلال
عاجل
تقارير

"لغز المشير": عنان اقترح الانقلاب على مبارك.. وطنطاوي رفض (1)

الرئيس نيوز

طنطاوي أبلغ سرور والشريف رفض الجيش مشروع التوريث.. ومبارك فكر في تسليم السلطة للمشير عام 2009
صديق مبارك اشتكى المشير بعد استرداد الجيش قطعة أرض وضع يده عليها.. فرد الرئيس: "لا أستطيع التدخل"
المشير وضع خطة نزول الجيش للشوارع قبل 25 يناير بستة أشهر.. وقال لحبيب عادلي: "ابعد عن الجيش!"

وضعَتْ الظروف المشير محمد حسين طنطاوي في قلب المسؤولية السياسية عن البلاد بعد تنحي الرئيس الأسبق محمد حسني مبارك بفعل ثورة 25 يناير 2011.

كان المشير وزيرا للدفاع لنحو 10 سنوات، ولما جاءت الثورة وجدته في موقع القائد العام للقوات المسلحة؛ الرجل الذي يترأس المؤسسة العسكرية التي كان الشعب ينتتظر كلمتها والأحداث ملتهبة. 

كتاب "لغز المشير" للبرلماني والصحفي مصطفى بكري، والصادر عن الدار المصرية اللبنانية 2016، يكشف تفاصيل الدور الذي لعبه المشير طنطاوي في إدارة شؤون البلاد حتى تسليم السلطة في يونيو 2012.

أهمية الكتاب تأتي من أن مؤلفه يقول في المقدمة: "عرفت المشير عن قرب، التقيته عدة مرات عديدة، اقتربت منه خلال فترة توليه إدارة شئون البلاد بعد تخلي الرئيس مبارك عن الحكم، كنت أسجل مواقفه، وأرصد كلماته وأدون محاضر اللقاء معه".

وبحسب "بكري" فإن صلته لم تنقطع بالمشير كذلك في السنوات التي تلت 2012: "كنت ألتقيه في المناسبات الاجتماعية المختلفة، وأذهب لأداء الصلاة معه في مسجد دار المشاة القريب من منزله، أستمع إليه وإلى كلماته ورؤيته".



"الرئيس نيوز" يعرض كتاب "لغز المشير" على حلقات متتالية، لاستعادة تلك السنوات التي ارتبطت بأهم حدث سياسي في مصر والمنطقة، عندما استيقظت مصر لأول مرة منذ 30 سنة على وجوه جديدة.

بعد تمهيد سريع لنشأة المشير طنطاوي، الذي ولد بحي عابدين لأب من أسوان عام 1935، وتسلسله العسكري حتى وصوله إلى منصب القائد العام للجيش المصري عام 1991، يبدأ مصطفى بكري في استعراض موقف المشير في السنوات الأخيرة لحكم الرئيس الأسبق حسني مبارك، وكيف كان يعارض الكثير من السياسات الحكومية آنذاك.

يقول: "كان المشير طنطاوي غير راض عن السياسات الجديدة التي بدأ يتبناها نظام الحكم، مع مجئ جمال مبارك، وسيطرة رجال الأعمال على الحكومة التي جرى تشكيلها برئاسة أحمد نظيف في يوليو 2004، كما كان رافضا لبرنامج الخصخصة وبيع أصول الدولة الناجحة، وخاض معارك عديدة داخل اجتماعات مجلس الوزراء مع الداعين إلى بيع هذه الأصول، وكان أخطرها معركة بيع بنك القاهرة مما أثار استياء الرئيس مبارك ضده في هذا الوقت".

بحسب ما يرويه المؤلف، فإن قائد الجيش كان رافضا لتوريث الحكم لنجل الرئيس، جمال مبارك، بل كان يجاهر بموقفه هذا ويقول دائما "إن الجيش لن يقبل أبدا بتوريث مصر".

وينقل "بكري" عن مصادر موثوقة أنه بعد إعلان مبارك نيته تعديل الدستور في عام 2005، أثناء إعلان ترشحه للانتخابات الرئاسية، التقى المشير طنطاوي بالدكتور فتحي سرور في الصالون الملحق بالقاعة التي عقد فيها اللقاء وقال له: "الجيش لن يسمح أبدا بالتوريث". 

في المقابل، من ناحية الرئيس، يشير "بكري" إلى أن مبارك لم يكن يسعى إلى الصدام مع طنطاوي. ثم يروي هذه الحكاية: "أحد أصدقاء الرئيس الأسبق ذهب إليه ليشكو قيام المشير باسترداد قطعة أرض كبيرة كان يضع يده عليها، وذلك لحاجة الجيش إليها، ساعتها قال له مبارك: "لن أستطيع التدخل، الوحيد صاحب القرار في ذلك هو المشير نفسه، اذهب إليه وأبلغه بشكواك، ولكن إياك أن تبلغه أنك قابلتني أو شكوته إلي".

حدث آخر وقع عام 2009، هو وفاة حفيد مبارك، محمد علاء، يشير له مصطفى بكري على أنه كان نقطة تحول في حياة الرئيس الراحل، الذي لم يعد راغبا في الاستمرار في السلطة، وأبلغ بعض المقربين منه أنه لا يريد من الدنيا شيئا.

وفقا للمؤلف، فإن مبارك فكر في الاعتزال وتفويض الجيش في إدارة أمور البلاد لحين إجراء انتخابات رئاسية جديدة، إلا أن هؤلاء المقربين حذروه من خطورة الإقدام على هذا القرار.



بناء على تلك الخطوة التي لم تتم، تسارعت وتيرة مشروع التوريث، وكانت كل المؤشرات حينها تشير إلى أن جمال مبارك هو الذي سيخلف والده.

عندها، وفي عام 2010 تحديدا، قرر المشير طنطاوي فعل شيء لمنع المخطط. يحكي مصطفى بكري: " طلب المشير طنطاوي من اللواء صلاح حلبي رئيس الأركان الاسبق أن يعزمه على العشاء، وأن يدعو صهره صفوت الشريف رئيس مجلس الشورى والأمين العام للحزب الوطني للحضور. وخلال اللقاء كان المشير طنطاوي واضحا وحاسما، حيث طلب من الأمين العام للحزب الوطني، أن يبلغ الرئيس مبارك: "أن الجيش لن يوافق أبدا على سيناريو التوريث، وأن هناك حالة غضب داخل أوساط الضباط والجنود بسبب ذلك".

بخلاف ذلك، كان المشير يشكو من أن المحيطين بالرئيس قد أغلقوا الأبواب المؤدية إليه من جميع الاتجاهات، حتى أنه أصبح يعيش في عزلة خلال الأيام الأخيرة من حكمه.

ويكشف المؤلف أن "طنطاوي" قبيل نحو ستة أشهر من أحداث ثورة يناير 2011، أصدر تعليماته لكبار قادة الجيش بإعداد الخطة "إرادة" للنزول إلى الشارع والسيطرة على الأماكن الاستراتيجية وحمايتها في حال انفجار الأوضاع في البلاد، لافتا إلى أنها نفس الخطة التي اعتمدها المشير لنزول الجيش في 28 يناير بعد انهيار الشرطة.

وعلى مستوى العلاقة بين الرجلين، يقول "بكري" إن مبارك كان يثق في أن المشير طنطاوي لا يسعى إلى السلطة، ويرفض التآمر، ولذلك كانت ثقته فيه كبيرة، ثم يكشف أنه سبق أن رفض عزله من منصبه مرتين، الأولى في عام 2007 والثانية في عام 2009 وتحدى كل المناوئين والراغبين في إبعاده.

تتسارع الأحداث ونأتي إلى الشهر الحاسم، يناير 2011، ففي يوم التاسع عشر منه، كانت تُعقد القمة الاقتصادية العربية في شرم الشيخ،يومها طلب اللواء عمر سليمان من الرئيس مبارك على هامش القمة ضرورة عقد لقاء عاجل لبحث التطورات المتوقعة والمظاهرات.

عقد اللقاء في اليوم التالي، 20 يناير، بالقرية الذكية، ضم المشير طنطاوي وحبيب العادلي وزير الداخلية وأحمد أبو الغيط وزير الخارجية وأنس الفقي وزير الإعلام ود. طارق كامل وزير الاتصالات وأيضا الوزير عمر سليمان مدير المخابرات العامة وكان برئاسة د. أحمد نظيف رئيس مجلس الوزراء.

يروي المؤلف: "كان الحوار ساخنا استعرض فيه جميع المسؤولين توقعاتهم وخططهم وكان اللواء عمر سليمان لديه قناعة كبيرة بأن جماعة الإخوان ستشارك بشكل أو بآخر في هذه المظاهرات، وعندما سأل حبيب العادلي وقال له: ماذا ستفعلون، رد العادلي بأن الداخلية جاهزة، وأن الشرطة قادرة على تفريق المتظاهرين بالمياه والغاز وإن لم تتمكن فالجيش موجود!".

يقول المؤلف إن المشير طنطاوي رد على حبيب العادلي بحسم قائلا: "ابعدوا عن الجيش لا تضعوه وجها لوجه مع الشعب، أعداؤنا خارج الحدود وليس داخلها، دعونا نتبين أولا إلى أين سوف تمضي الأحداث ثم بعد ذلك نناقش الأمر مرة أخرى".

ثم يسجل أنه لم يكن هناك "عمار" بين المشير وحبيب العادلي، وكان قائد الجيش يعيب على مبارك اعتماده الكلي على وزير الداخلية والشرطة.

قبل أحداث الثورة بيومين، أي في 23 يناير وصلت تقارير خطيرة إلى جهاز المخابرات العامة حول اتصالات سرية جرت بين عناصر من المخابرات الأمريكية في تركيا وبين جماعة الإخوان جرى فيها الاتفاق على متابعة التطورات المتوقعة والتدخل في الوقت المناسب لضمان السيطرة على الأوضاع في البلاد.



بناء على تلك التقارير، "اتصل عمر سليمان بالوزير حبيب العادلي وأبلغه بخطورة الموقف وطلب منه عقد لقاء ثلاثي بحضورهما وحضور المشير طنطاوي، لم يعط حبيب العادلي إجابة على طلب اللواء عمر سليمان، بل قال حاضر، بس أنا مش فاضي دلوقتي ولكن سأعاود الاتصال بك مرة أخرى".

استاء عمر سليمان من تصرف حبيب العادلي، واتصل بالمشير طنطاوي الذي كان ينتظر تحديد الموعد وقال له: "تصور حبيب العادلي يقول لي مش فاضي!"، والتقى الاثنان فقط.

في ظهيرة اليوم الحاسم، 28 يناير، الذي سقطت فيه الشرطة، اتصل حبيب العادلي وزير الداخلية بالمشير ليبلغه بأن الرئيس طلب منه إبلاغه بضرورة نزول الجيش إلى الشارع بعد انهيار الشرطة.

كان تصرفا لم يرض المشير، فسأل على الفور: ولماذا لم يتصل بي؟!، ثم قال لوزير الداخلية: "أنا حتصرف!!".

في تلك الأثناء، كان الفريق سامي عنان رئيس أركان القوات المسلحة في زيارة للولايات المتحدة الأمريكية، وفور أن علم بما يجري قطع زيارته لأمريكا بشكل عاجل، وعاد إلى القاهرة صباح يوم السبت 29 يناير  متوجها على الفور إلى مبنى وزارة الدفاع حيث التقى المشير طنطاوي.

ويكشف المؤلف ما جرى بين الرجلين في تلك اللحظات الحاسمة قائلا: "بعد مناقشة حول أبعاد ما جرى، طرح الفريق عنان على المشير طنطاوي حسم الموقف والقيام بانقلاب عسكري للحيلولة دون تدهور الأوضاع، ثم يعقب ذلك إجراء انتخابات رئاسية جديدة بعد الانتهاء من الفترة الانتقالية، التي يجب ألا تزيد على عام واحد".

لكن المشير طنطاوي رفض اقتراح رئيس الأركان قائلا: "زمن الانقلابات العسكرية قد ولّى"، مشددا على أن القوات المسلحة ستترك الخيار للشعب ليقرر مصيره بنفسه.