تحليل: القرن الـ21 يكتب شهادة وفاة الإسلام السياسي الجديد في الشرق الأوسط
بات المعنى الأبرز لمجمل التغييرات السياسية في المغرب وتونس ومصر وتركيا هو أن الأحزاب التابعة لتنظيم الإخوان تواجه أزمة طاحنة.
فبعد مرو عقد كامل على انتفاضات الربيع العربي، يقول المراقبون، وفقًا لتحليل الإذاعة الألمانية دويتش فيله، إن الوقت قد حان لوضع نهاية للإسلام السياسي الذي روج له تنظيم الإخوان منذ أسسه حسن البنا في 1928.
في الأسبوع الماضي، عانى الحزب الذي حصل في السابق على الأغلبية في البرلمان المغربي من انتكاسة ساحقة. في الانتخابات التي جرت يوم الأربعاء الماضي، خسر حزب العدالة والتنمية 113 مقعدًا من 125 مقعدًا فاز بها في الانتخابات الأخيرة.
في الاقتراعين السابقين لعامي 2016 و2011، حصد الحزب، المعروف باسم حزب العدالة والتنمية، أغلبية في المجلس المكون من 395 مقعدًا. لكن الحزب، المرتبط بشكل وثيق بالإخوان الذين يتبنون الإسلام السياسي، بات يحتفظ الآن بـ 13 مقعدًا فقط.
ونقلت الإذاعة الألمانة عن مايكل تانشوم زميل معهد الشرق الأوسط في واشنطن والباحث بالمعهد النمساوي للسياسة الأمنية قوله: "إن تراجع الحزب يعكس التصور الشعبي العام بأن البيروقراطية المركزية المغربية المتوافقة مع القصر هي أكثر قدرة على إدارة الاقتصاد، وتجاوز الأزمات، وخلق فرص العمل".
وتأتي هزيمة حزب العدالة والتنمية في نفس الوقت الذي تواجه فيه الأحزاب السياسية الأخرى المرتبطة بالإخوان، والتي وصل معظمها للسلطة في المنطقة بعد ما يسمى بالربيع العربي في عام 2011، انتكاساتٍ يعترف بها الإخوان أنفسهم وإن كان ذلك تحت ظروف مختلفة لكل بلد.
وبعد أن عانى الإخوان في الحكم هزيمة انتخابية نكراء، انتشر انطباع عام في البلدان العربية من المحيط إلى الخليج بأن التنظيم عاجز وتجربته محكوم عليها بالفشل.
وفي تونس، طُرد حزب النهضة الراعي الأول للإسلام السياسي في شمال أفريقيا من السلطة بعد أن علق الرئيس قيس سعيد البرلمان في البلاد في يوليو الماضي، وفي مصر، صعد رئيس إخواني إلى السلطة في عام 2012، وما لبث أن أطاحت به ثورة شعبية عارمة في 30 يونيو 2013.
ولجأ الآلاف من أعضاء الإخوان الهاربين من مصر إلى تركيا، وحتى وقت قريب نسبيًا، كانوا مدعومين من الحكومة التركية، مما أدى إلى توتر العلاقات الدبلوماسية بين مصر وتركيا بشكل كبير.
لكن في أوائل العام الماضي، بدأ ذلك يتغير، حيث اتخذت السلطات التركية إجراءات مثل منع المحطات الفضائية الإخوانية من الإساءة لمصر.
نشأ هذا التغيير في الموقف التركي عن عدة عوامل، بما في ذلك وصول إدارة جو بايدن الدجيمقاطية إلى البيت الأبيض وهي إدارة من الديمقراطيين الأقل انخراطًا في الشرق الأوسط، علاوة على تدهور علاقات تركيا مع دول عربية أخرى مثل المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، والمشاكل الاقتصادية في الداخل، وفقًا لمحللي معهد سياسات الشرق الأدنى في واشنطن.
وخلص المحللون إلى أنه "يبدو أن خيار أدوغان الأول كان التضحية بالإخوان لمتابعة التهدئة مع القاهرة والرياض على أمل تأمين أصدقاء جدد في المنطقة".
البقاء على المدى الطويل
أدت هذه التغييرات في حظ الجماعات الخارجة من عباءة تنظيم الإخوان إلى الاعتقاد السائد اليوم بأن عصر الإسلام السياسي الجديد انتهى الآن. ومع ذلك، فإن الكثيرين لا يزالون يرفضون الإقرار بهذه الحقيقة.
وقال محمد الدعدوي، أستاذ العلوم السياسية المتخصص في سياسة شمال إفريقيا بجامعة أوكلاهوما سيتي بالولايات المتحدة، إن انتهاء تنظيم الإخوان "كان متوقعًا في الخمسينيات والستينيات والسبعينيات من القرن الماضي، لكنهم عادوا إلى المشهد نتيجة استغلالهم ظرروف معينة، لذا يجح الدعدوي أنهم في لحظة ضعف الآن - خاصة في المغرب، في مواجهة الدولة - لكنهم لم يرحلوا ولم يخرجوا من المشهد السياسي لتمتعهم بقدر كبير من المرونة".
التسلسلات الهرمية المختلفة
يمتلك تنظيم الإخوان فروعًا وتدين له بالولاء جماعات وأحزاب سياسية في جميع أنحاء الشرق الأوسط، بما في ذلك الأردن والبحرين وسوريا والسودان وليبيا وفلسطين والجزائر وإسرائيل واليمن وغيرها. لا يزال بعض هؤلاء يربطون أنفسهم صراحةً بالتنظيم الأصلي؛ وآخرين ينكرون أي صلة لهم بالتنظيم، نتيجة تصنيفه كمنظمة إرهابية في كل من المملكة العربية السعودية ومصر والإمارات العربية المتحدة وروسيا. وقالت جيليان كينيدي، المحاضرة في السياسة والعلاقات الدولية في جامعة ساوثهامبتون في المملكة المتحدة، إن هذا يرجع جزئيًا على الأقل إلى الهيكل "الأفقي" وليس الهرمي للحركة.
عدم الكفاءة الإدارية
وأوضحت كينيدي لدويتش فيله أن عدم كفاءة الإخوان الإدارية لا يحتاج لدليل، فكل خليه لديها ما يقارب خمسة إلى 15 عضوًا، دائمًا ما يكونوا من الذكور، ويكون لهم تركيز خاص، مثل التدريس أو تقديم الرعاية الاجتماعية.
وتابعت أن بعض الجماعات الإخوانية واجهت مشاكل مالية، حتى أنها اضطرت إلى إغلاق بعض وسائل الإعلام. وقالت كينيدي "لكن سيكون من المستحيل تقريبا تدمير تلك الشبكات لإنها ذات جذور أيديولوجية عميقة في جميع أنحاء المنطقة.
وأشارت كينيدي إلى أن معظم الهاربين من الإخوان يعيشون الآن إما في تركيا أو قطر أو المملكة المتحدة. وأضافت أنه على الرغم من أن الحكومة التركية لم تعد تدعمهم هناك بشكل علني، إلا أن الحكومة ما زالت تتسامح معهم. وتعتقد كينيدي أن المشكلة الرئيسية التي تواجهها الأحزاب السياسية الإسلامية الجديدة هي أنها لم تثبت أنها بارعة بشكل خاص في إدارة الدولة.
وأوضحت: "لقد لعبوا دور المعارضة لفترة طويلة" و"يعتمدون على الأيديولوجية وظلوا يرددون أن " الإسلام هو الحل"، ولكنهم لم يعرفوا كيف يحكمون".