الخميس 18 أبريل 2024 الموافق 09 شوال 1445
رئيس التحرير
شيماء جلال
عاجل
أراء كتاب

مدحت شنن يكتب: موسم المُرتزقة

الرئيس نيوز

مع اقتراب أي استحقاق انتخابي - أيا كان نوعه أو حجمه أو أهميته – وبمناسبة اقتراب انتخابات مجالس إدارات الأندية الرياضية ومراكز الشباب، يطفو على السطح جماعة المُرتزقة الذين صاروا آية للقبح الرخيص، فتمرسوا على أن يكونوا جزءاً من سامر الولائم الكاذبة حين يلتصقون بمن ينوي الترشح كظله - لاسيما الأغبياء منهم ومحدودي الأفق والباحثين عن الشهرة والأضواء - فيعظمون كذباً قدراته الزائفة، وعقليته العقيمة، ليصوروا له أنه الهبة التي وهبها الله للبشر من أجل مساعدتهم، فيمنُّ المرشح بولائمه الدسمة التي تشتاق إليها بطونهم العفنة، ويجود بأمواله التي تجد جيوبهم مفتوحة على مصراعيها تنتظرها في شغف وسُعار، بالإضافة إلى وعدهم بمنصب ذي قيمة إذا ما تحقق المُراد ونجح خيال المآتة.


هؤلاء القوم تأصل النفاق في روحهم حتى احتواها، منهم من يمارس فناً من فنون الخداع المحترف، حيث تُخنق فيه أحلام العامة بحبال من حرير, يساعدهم في ذلك ثرثرة المُرشح ذات المحتوى الفارغ والشعارات الكاذبة والطنين الذي يصم الآذان.


ورغم ذلك السخف تنعق الصحف الصفراء بأخبارهم الكاذبة وإنجازاتهم المزيفة، لدرجة تجاوزت حدود المنطق وتلمست جدران العبث، فلا يظهرون إلا في الظلام حين تذوب الشمس في الغروب، فلا يرى الفقراء أوسع من أحداقهم بعد أن يستر الظلام عوراتهم وقبحهم عن أعين البسطاء الذين يجدلون حبل الصبر طوال دورة المرشح الانتخابية، لتُشنق به أحلامهم البسيطة التي تركوها خلف ظهورهم بعد أن يئسوا من تحقيقها، وتاجر بها سيادته ومرتزقته من أراذل البشر فحُرموا النوم وإن ناموا، ناموا مُتعبين، ورغم ذلك لا يغوص لهم حلم، بعد أن تُركوا فريسة تتمزق بمنقار الواقع وعاودهم ظمأ الحاجة بعد تلك الوعود الكاذبة، التي ماتت في وقدتها خُضرة أيامهم، فسُلبوا موهبة التطلع وصاروا موتى بلا أكفان حين ركد أملهم ركود ريح ميتة، بفعل وعود تبخرت نحو الغيوم حبلاً من دخان، سرعان ما تباعدت واختفت بعد أن تقنعت بالضباب فصارت سراباً.


إن هؤلاء المرتزقة هم أبطال الرواية، تراجيديا سوداء كشفت عن مشهد عبثي من مسرح لا معقول، لو قرر إبليس التجسد فلن يسعفه خياله بصورة أفضل من صورهم التي تشمئز منها النفوس.

وما يزيد من عبثية المشهد هو تحكم هؤلاء في عقول من نوى الترشح، حتى يصير دمية شاخصة فوق ستار مسدلة، خيوطاً حَرَكَتُه بيد المرتزقة، تلعب به كيفما ووقتما تشاء، فهم لا يرون فيه إلا أمواله، وهو مخدوع في قدرتهم على الحشد وإقناع الناس بمواهبه المزعومة، فصار نفاقهم فاضحاً لقبحه،وقبحه فاضحاً لجشعهم.


تلك الممارسات القذرة كشفت جسد الواقع الأليم، لكن الأمل ما زال في الإمكان، على أيدي الشباب الواعي المحب لوطنه، حين يصمدون ويقاومون سطوة المال والقبلية ونهيق المرتزقة، بعلمهم وثقافتهم ووعيهم، بكشفهم لحقيقة هؤلاء بمواجهتهم للمتاجرة بآلام الناس وحَوَجهم بالاجتهاد والصبر والتصميم وتكرار المحاولة سيبلغون المستقبل على مراكب من نور، طالما عقدوا النية وأخلصوا سينجزون، ويقضون على تلك الخفافيش التي لا تتغذي إلا على دمائنا.


فالنصر محتوم بعون الله وسيجنح الجرذان إلى الرحيل وحينها لن يجدوا موطناً، فالشمس وإن كانت تغشاها غلالة من سحاب أسود، إلا أن هناك على بُعد يبدو آخرُ ناصع البياض، ينضح بنور الشمس المتوهج.


إن حضارة الإنسان بماضيها وحاضرها ومستقبلها, رهن كلمة صدق، ووعد صدق، وشعار صدق، فبالصدق وحده نعلو ونسمو وننجز، وليس بالكذب والمراوغة نبلغ الأمنيات، فالمجد لمن ولد حراً كشعاع الشمس، والخزي لمن ينصب خيمة من النفاق من أجل جنيهات بخسة أو مناصب زائلة.