بعد أزمة مي حلمي.. خبراء يرفضون "بيع الهواء": "يحدث فوضى إعلامية"
أثارت واقعة مي حلمي
وإهانتها لضيفها الكابتن أحمد صالح حالة من الجدل خلال الأيام القليلة الماضية، هذا
الجدل لم يتوقف عند قرارات نقابة الإعلاميين، بوقف المذيعة وبرنامجها، ولكن بدأ الحديث إلى ما هو أبعد من ذلك، ليتطرق إلى
الأزمة الحقيقية التي تواجه الإعلام المصري منذ عدة سنوات، بسبب ظاهرة "بيع
الهواء"، إذ يقوم أي شخص غير مؤهل لشراء عدد ساعات في القنوات
الفضائية، ليقدم من خلالها ما يحلو له دون رقابة أو حساب.
أزمة بيع الهواء ليست
جديدة، لكنها تطفو على السطح بين حين وآخر، وتحديدا مع وجود أزمات في المحتوى الذي
تقدمه هذه البرامج التي انتشرت بشكل كبير بعد ثورة 25 يناير 2011.
الساعة بـ8 آلاف جنيه
تتراوح أسعار بيع
ساعة الهواء بالقنوات الفضائية ما بين 15 إلى 60 ألف جنيه، وتختلف الأسعار من قناة
لأخرى، ومن أبرز القنوات التي ساهمت في انتشار هذه الظاهرة قنوات
"دريم"، "المحور"، ومن بعدها قنوات "النهار"،
"القاهرة والناس"، "صدى البلد"، ثم تبعتها قنوات تصنيف الـ c، وأبرزها (الحدث
اليوم، بانوراما، العاصمة، وغيرها من القنوات).
وكشفت مصادر خاصة لـ"الرئيس نيوز" أن سعر ساعة الهواء في قنوات
تصنيف الـ c تبدأ
من 15 ألف جنية للساعة، كما أن هناك قنوات أخرى تصل قيمة الساعة بها إلى 3 آلاف
جنيه ومنها على سبيل المثال قناة "الصحة والجمال"، أما قنوات تصنيف الـ b فتتراوح أسعار ساعة الهواء بها من 25 إلى 35 ألف
جنية، أما القنوات الشهيرة في السوق المصري فتبدأ سعر الساعة بها من 40 ألف جنيه وتصل إلى 60 ألف حسب اليوم وتوقيت العرض.
واضافت المصادر أن الأسعار تختلف أيضا طبقا لطبيعة البرامج، فتجد أن
البرامج الطبية أقل تكلفة من البرامج الأخرى، حيث يتراوح سعر الساعة في البرامج الطبية
ما بين 8 آلاف جنية إلى 20 ألف جنية، ويتحكم منتج البرنامج في اختيار الضيوف من
الأطباء ويختار من يدفع أكثر، ويقوم ببيع 20 دقيقة إلى الطبيب مقابل 15 ألف
جنية، ويقسم البرنامج لعدة فقرات يحقق من خلالها ربحا كبيرا دون الاهتمام بالمحتوى
المقدم أو مراجعته.
"فاترينات عرض"
قال الخبير الإعلامي الدكتور ياسر عبدالعزيز إن ظاهرة بيع الوقت ليست بالجديدة، ولكنها تظهر على السطح كل فترة، خاصة في ظل ظهور قنوات رديئة بتكاليف منخفضة: "للأسف الكثير من القنوات تحولت إلى فاترينة عرض بسبب تراجع العوائد الإعلانية في التليفزيون".
واشار عبدالعزيز إلى أن برامج بيع الهواء تتسبب في انتهاك المعايير المهنية، ويدفع المجتمع والجمهور ثمن ذلك، لأنه لا يوجد رقابة أو محاسبة لهذه البرامج التي انتشرت: "المحطات الفضائية المهنية تعمل وفقاً لبيان مهم وواضح، وخريطة برامجية تخدم رؤيتها، فظاهرة بيع الهواء تعنى ببساطة الاعتداء على فكرة الخرائط البرامجية للقنوات، وسياستها التحريرية، فالأمر أشبه بتصريح لمن يملك القيمة المالية كى يبث أى محتوى يروق له".
وكشف أن "من يشترى الهواء يريد الحصول
على مقابل تجارى، يتمثل فى الترويج لسلعة ما عبر استغلال اسم المحطة، والثقة فى الإعلام
والتليفزيون، ويسوق لمنتجات أو خدمات ربما لا تتحلى باشتراطات الجودة، أو يبتغى
وجاهة وبحثاً عن الشهرة وبناء شبكة علاقات اجتماعية وسياسية واسعة، وهذا الأمر يتنافى
أيضاً مع أبسط قواعد العمل الإعلامى، وفى الغالب لا تلتزم البرامج إلا باشتراطات البث
التى توزعها مدينة الإنتاج والمنطقة الحرة، ومعظم القنوات التى تبيع الوقت ليس لديها
سياسات تحريرية".
وعن تأثير البرامج المدفوعة على الثقة القائمة بين القناة والمشاهد، قال عبدالعزيز: "الجمهور الذى اعتاد مشاهدة مثل هذه القنوات لا يبحث عن الثقة بقدر سعيه وراء منافع التعرض الطارئة، فهو يتبوأ موقعاً لا يتيح له الحكم على سياسة القناة".
وحول دور الهيئات المنظمة للعمل الإعلامى، أوضح قائلا: "المجلس الأعلى للإعلام لا يملك سلطة التدخل فيما يتعلق بالسياسات المالية للقنوات، لكن يمكنه التدخل عند بث محتوى يتعارض مع القيم التى أرساها".
"ظاهرة غير مهنية"
تحدث الكاتب الصحفي والخبير الإعلامي محمد عبدالرحمن عن ظاهرة بيع الهواء وقال: "عملية بيع الهواء هي تصرف غير إعلامي بالمرة، ولا يصح بيع الهواء في قنوات محترمة، وهناك فرق بين البرامج الإعلانية وبين بيع الهواء"، موضحا أن سبب تسمية الظاهرة ببيع الهواء لأن القناة تفقد سيطرتها على معظم التفاصيل ودورها فقط يتلخص في ترك ساعة من الخريطة البرامجية لشخص ما مقابل مبلغ مالي، وهذا أمر مرفوض تماما".
وأضاف عبدالرحمن: "لا يصح أن تكون جهة أو شخص ما يسيطر على ساعة هواء في قناة بدون مؤهلات، ويجب أن يكون للقناة دور أساسي في المحتوى والاختيار لمن يقدم البرنامج، ويمكن أن يكون الشخص الذي قام بالشراء أن يحقق مكاسب مادية ولكن على اتلمستوى الفني والمهني يضر المجتمع، ولذلك يجب أن تطبق كل الأسس التي تطبق على باقي برامج القناة. ولا يجب تقنين هذه الظاهرة ولا يصح أن تتواجد من الأساس ولا أعتقد أنها موجودة في أي مكان في العالم".
وعن الأضرار الناتجة من ظاهرة بيع الهواء، يقول عبدالرحمن: "أبرز الأضرار حصول عدد كبير جدا من غير المؤهلين على لقب مذيع على الأقل أمام الجمهور، خاصة أن الجمهور لا يفرق بين مذيع يظهر بفلوسه وأخر يظهر لأنه مهني. الأغلبية من هؤلاء غير مؤهلين ولا يمتلكوا أي خبرات إعلامية ولم يتدرجوا وظيفيا وفجأة يصبحوا مذيعين بسبب الفلوس، أما الأضرار الأخرى هو تقديم محتوى غير خاضع للتقييم ولا الرقابة خاصة في البرامج الطبية والصحية".
دعوات لضبط "بيع
الهواء"
قال الدكتور محمد المرسى، أستاذ الإعلام بجامعة
القاهرة، إن القنوات تتعامل مع بيع الهواء كتجارة، مشددا على أن الفضائيات مسئولة
عن المواد المقدمة عبر شاشاتها، سواء تلك التى تروج لسلعة أو خدمة أو برامج إعلامية،
وتابع: "هذه الظاهرة تعبر عن وجود فوضى إعلامية، وعدد كبير من القنوات تقوم على
تأجير مساحاتها لمن يدفع، فمن يمتلك المال يستطيع أن يظهر على الشاشة بأمواله، بعيداً
عن القيم المتعارف عليها للعمل الإعلامى، بأن نقدم مذيعاً مؤهلاً يناقش موضوعات ذات
قيمة".
وأضاف المرسي أنه "من الممكن أن تخصص الفضائيات جزء محدوداً من وقتها للبيع لشركة لها اسم، وموثوق بها، أو لشخص مؤهل، لتقديم مواد إعلامية ذات قيمة وبشكل مهنى، كما لا بد من وضع شروط تقضى بإلغاء التعاقد مع المذيع إذا خرج عن القواعد المهنية وأخلاقيات العمل الإعلامى، وقد تتيح البرامج المدفوعة فرصاً لتقديم موضوعات جيدة على الشاشة، كما طالب المجلس الأعلى للإعلام بتقنين البرامج المدفوعة، كما هو الحال لنسبة الإعلانات فى البرامج، باعتباره يمتلك سلطة محاسبة القنوات الخاصة".