الجمعة 22 نوفمبر 2024 الموافق 20 جمادى الأولى 1446
رئيس التحرير
شيماء جلال
عاجل
تحقيقات وحوارات

لماذا انهار الجيش الأفغاني أمام طالبان في شهرين؟

الرئيس نيوز

بعد نحو عقدين من الاقتتال العنيف بين الأمريكان وحلفائهم سواء الدوليين أو المحليين، من جهة، وحركة "طالبان" من جهة أخرى، أحكمت الحركة الأصولية المتشدد قبضتها على مفاصل الدولة، بعد هجوم كاسح على جميع الولايات الأفغانية، بدأته الحركة مايو الماضي، أعقبه هزائم وانسحابات وفرار للقوات الحكومية.
الحركة المسلحة تتجهز حاليًا لاستلام العاصمة كابول من الحكومة الحالية، وقال المتحدث باسم الحركة، ذبيح الله مجاهد: "العاصمة كابل مدينة كبيرة ومكتظة بالسكان، والمجاهدون لا يعتزمون دخول المدينة بالقوة أو الحرب. هناك مفاوضات تجري من أجل انتقال سلمي للسلطة".
القائم بأعمال وزير الداخلية الأفغاني عبد الستار ميرزاكوال، قال إن كابل لن تتعرض لهجوم، وقال في مقطع فيديو نشرته قناة "طلوع نيوز" على صفحتها بموقع "تويتر"، "لن يتم مهاجمة كابل، والانتقال سيحدث بسلام"، زاعمًا أن قوات الأمن ستكفل أمن المدينة، حسب ما نقلته وكالة الأنباء الألمانية.

تساؤلات مشروعة 
ومع انهيار النظام الحاكم في أفغانستان وسيطرة حركة طالبان، برزت مجموعة من الأسئلة بينها، ما جدوى نحو عامين من المفاوضات بين الأمريكان والحركة في قطر، فضلًا عن أسباب الانهيار السريع لقوات الجيش والقوات الأمنية، رغم أن إنفاق الولايات المتحدة وحلفائها منذ عام 2001 أكثر من 83 مليار دولار لتطوير قوات الجيش والأمن الحكومية في أفغانستان وتدريبها وتسليحها.
انهيار سريع 
تبرر تقارير أسباب انهيار القوة القتالية للجيش الأفغاني، بفشل الجهود الأمريكية في ذلك السياق، فيما تذهب تقارير أخرى، إلى أن الجنود الحكوميين الذين استسلم بعضهم لـ"طالبان" وقاوم عدد قليل منهم، شعروا بتخلي قادتهم عنهم؟
وانهارت قوات الأمن الأفغانية مؤخرًا، ما ترتب عليه سقوط أكثر من 15 مدينة تحت ضغط "طالبان" الذي بدأ في مايو الماضي، وأسفر الهجوم السريع عن استسلام جماعي لقوات الرئيس غني، واحتجاز طائرات هليكوبتر ومعدات عسكرية وأمنية بملايين الدولارات قدمتها الولايات المتحدة للحكومة الأفغانية على مدى 20 عاماً ضمن برامج مساعدات تجاوزت قيمتها 83 مليار دولار، وشملت العديد من الأسلحة والمعدات وتكاليف التدريب.

نقاط الضعف
لم يبدأ انهيار الجيش الأفغاني الأسبوع الماضي، فقد لوحظ للمرة الأولى قبل أشهر مع تصاعد حجم الخسائر في صفوفه، حتى قبل إعلان الرئيس الأميركي جو بايدن أن الولايات المتحدة ستنسحب بالكامل في 11 سبتمبر المقبل، فقد بدأ الأمر ببؤر منفصلة داخل المناطق الريفية حين حاصر مقاتلو "طالبان" وحدات الشرطة والجنود الحكوميين الذين نفدت منهم الذخيرة وكانوا يتضورون جوعاً، ووعدوهم بالمرور الآمن إذا استسلموا وتركوا معداتهم لـ"طالبان". ما منح الحركة قدرة أكبر كل يوم على تحقيق مزيد من السيطرة على الطرق والمعابر الحيوية، ثم مناطق بأكملها.
وحتى قبل ذلك الوقت، كانت نقاط الضعف المنهجية واضحة داخل القوات الحكومية الأفغانية التي بلغ عددها نظرياً أكثر من 300 ألف شخص، ولكن في الأيام الماضية بلغ مجموعها نحو سدس هذا العدد فقط (نحو 50 ألفاً) بحسب مسؤولين أميركيين. ويمكن إرجاع أحد أوجه القصور هذه إلى إصرار الغرب على بناء جيش حديث بالكامل مع كل التعقيدات اللوجستية والإمدادات الحديثة، التي أثبتت الأحداث الأخيرة أنها غير قادرة على الاستمرار في غياب الولايات المتحدة وحلفاء "الناتو".

استياء وتذمر
وفيما كان المسؤولون الحكوميون يغضون الطرف في إطار من السرية الممزوجة بالفساد عن أن العدد الحقيقي للقوى البشرية للقوات الأفغانية كان أقل بكثير مما كان مدوناً على الورق في السجلات، ذكرت صحيفة "نيويورك تايمز" في تقرير لها من كابول أن عدداً من القادة العسكريين عبروا عن شعورهم بالاستياء والتذمر لعدم وصول إمدادات الغذاء إليهم على أحد خطوط المواجهة في قندهار التي تعد ثاني أهم مدينة في البلاد، وأنهم كانوا يعانون من الإرهاق والضعف. ما زاد الاعتقاد في صفوف القوات الحكومية أن القتال من أجل حكومة الرئيس غني، لا يستحق التضحية أو الموت من أجله.
وعندما بدأت أشهر الهزائم بسقوط مقر قيادة الفرقة 217 بالكامل في يد "طالبان" قرب مدينة قندوز، وانتشرت على الإنترنت صور طائرة هليكوبتر قتالية وأخرى أميركية مسيرة استولت عليها "طالبان"، بالإضافة إلى صفوف من العربات المدرعة، ردد الجنرال عباس تواكولي، قائد الفرقة، مشاعر استياء مماثلة تجاه السياسيين والبرلمانيين في كابول. وقد اتهمهم بالمساهمة في إشعال نيران التوتر والخوف التي أطلقها العدو في الأساس، معتبراً أن سقوط الأراضي بيد "طالبان" كان نتيجة لحرب نفسية وليس نتيجة لخسارة معركة قتالية.
تبديل الولاءات
كما تذمر الطيارون الأفغان من أن قياداتهم تهتم بحالة الطائرات أكثر من اهتمامها بالأشخاص الذين يقودونها، على الرغم من علمهم بحملة الاغتيالات التي تنفذها ضدهم حركة "طالبان". أما قوات النخبة (الكوماندوز)، التي تتشبث بالأراضي التي لا تزال تحت سيطرة الحكومة، فتُنقل على عجل من مقاطعة إلى أخرى، من دون هدف واضح، ما جعلها تعاني من قلة النوم.
وحتى الميليشيات المتحالفة عرقياً مع الحكومة، التي برزت كقوات قادرة على تعزيز قدرات الجيش، فقد استسلمت هي الأخرى مع تبديل الانتماءات والولاءات، إذ سقطت عاصمة إقليمية في شمال أفغانستان، كان من المفترض أن تدافع عنها قوة هائلة تحت قيادة عبد الرشيد دستم، نائب الرئيس الأفغاني السابق الذي نجا من 40 عاماً من الحرب عن طريق إبرام الصفقات وتبديل الولاءات. كذلك استسلم زعيم حرب آخر هو محمد إسماعيل خان لقوات "طالبان"، بعدما قاومها لأسابيع في غرب أفغانستان.

صراع الأجهزة
ويقول الباحث في شؤون الحركات الجهادية، ماهر فرغلي في تدوينة على موقع "فيسبوك": "الكان هناك صراع بين CIA والجيش الأمريكى حول الوضع في أفغانستان، وكان هناك صراع آخر بين الجانب الأمريكى كله والأفغانى كله، وظهرت المخدرات كمادة صراع لا رحمة فيها، وتطور الأمر إلى حرب خفية واغتيالات وبيع معلومات لطالبان، ثم بيع أسلحة وأسرار سياسية وعسكرية، ومن هنا تمكنت الحركة من التسلل، وقدمت عفواً شاملاً عن الجميع لتحمي العاملين السريين معها، وحين سيتم تسليم كابول لن تنتهي المعركة لأن هناك مجموعات مثل الدواعش، ومجموعات قبلية وراء الحدود الباكستانة فى انتظار الأوامر، كما عدة أجهزة مخابرات ومنها إسرائيل دربت مجموعات مرتزقة فى الداخل على شكل مجموعات استخبارية عالية التدريب، وبعضها أخذت طابعاً شبه حكومى وملابس عسكرية".
يتابع فرغلي: "كما لا زال قادة مثل إسماعيل أغاخان وعبدالرشيد دوستم على قيد الحياة وقد يتم تشغيلهما في وقت مقبل، فيما سيطرة طالبان ستشكل إشكالية لدول كثيرة تتنازع حول السيطرة السياسية على أفغانستان مثل باكستان إيران والصين وروسيا وطاجيكستان وأوزبكستان، فضلاً عن أوروبا وأمريكا، وإن نجحت الحركة في تطمين كل هذه الدول فستكون حققت خطوة كبيرة في استمرارها بالحكم والسلطة والاعتراف بحكمها وإلا فلا".