الجمعة 22 نوفمبر 2024 الموافق 20 جمادى الأولى 1446
رئيس التحرير
شيماء جلال
عاجل
تقارير

أطماع تاريخية في مياه النيل تعزز أدوارًا إسرائيلية في أزمة "سد النهضة"

الرئيس نيوز

في ظل تعقيدات المشهد التفاوضي مع أديس أبابا بشأن المستجدات المتعلقة بأزمة بناء "سد النهضة"، على مياه النيل الأزرق، والاحتمالات المؤكدة بتضرر مصر والسودان بوصفهما دولتي مصب للنيل الأزرق، ظهرت دعوات بإدخال إسرائيل وسيطًا في المفاوضات مع أثيوبيا، بحكم أن لها الكثير من أوراق النفوذ في أديس أبابا.
المثير للدهشة أنه وبالتزامن مع ظهور تلك الدعوة، أعلنت تل أبيب أنها حصلت على صفة مراقب في الاتحاد الأفريقي، وأن الأمر بمثابة تتويج لجهودها الدبلوماسية على مدار عقدين ونصف العقد، وقد أكد مراقبون أن قبول عضوية إسرائيل كمراقب يعكس النفوذ الإسرائيلي في القارة السمراء، فضلًا عن كونه سيخدم مصالحها في أفريقيا من جهة، وربما يساعدها في ضمان الحصول على أصوات تلك الدول في المحافل الدولية مجلس الأمن والأمم المتحدة.

أطماع تاريخية
لكن يبرز هنا تساؤل عن علاقة إسرائيل بمياه النيل، وهل هي فعليًا تطمع في الحصول على حصة منه؟
إسرائيل مثل العديد من دول الشرق الأوسط لديها مشكلة جذرية في ملف المياه، على الرغم من التقدم الكبير الذي تحرزة تل أبيب في معالجة مياه الصرف؛ إذ يتم معالجة نحو 95 % من نسب تلك المياه، فضلًا عن كونها تستخدم أحدث أنظمة الري القائمة على التنقيط، كما أنها تمتلك نحو 5 محطات عملاقة لتحلية مياه البحر. 
رغم كل هذه الأمور، إلا أن إسرائيل تعاني أزمة مياه، وهو الأمر الذي دفعها في العام 2002 إلى إبرام اتفاق مع تركيا لاستيراد 50 مليون متر مكعب من المياه سنويًا، لكن الاتفاق توقف ولم يمر، فيما تشير تقارير إلى أن إسرائيل منذ ثمانينات القرن الماضي وهي تحلم بالحصول على حصة في مياه نهر النيل.
وقد أكد الرئيسان الراحلان أنور السادات وحسني مبارك، إن مياه النيل بالكاد تسد احتياجات مصر المائية وأن القاهرة لا تمتلك فائضًا من المياه لتعطيه لأحد، لكن إسرائيل ظلت على حلمها فقد زار رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أثيوبيا في العام 2016، وعرض على أديس أبابا شراكة استراتيجية في مجالات المياه (تحسين موارد نهر النيل) وكذلك في مجالات الزراعة والطاقة (المتمثلة في توليد الكهرباء).

منظومة دفاع جوي
ومنذ ذلك الحين وبدأت تقارير إسرئايلية تتحدث عن استثمارات ضخمة في مجالات الزراعة والمياه مع أثيوبيا، وفي العام 2019 نشرت مواقع إسرائيلية تقارير تفيد بوجود منظومات دفاع جوي إسرائيلية قصيرة المدى من نوع "سبايدر" حول سد النهضة.
وخلال وقت سابق فقد أدلى المتحدث باسم الخارجية الإثيوبية دينا مفتي، تصريحات قال فيها إن بلاده من الممكن أن تبيع الطاقة الكهربائية والمياه الفائضة عن حاجتها لأي طرف - بما في ذلك "إسرائيل" - وهو ما ألقى مزيداً من الضوء على نيات تل أبيب في هذا الصدد.
ووقعت كلّ من تل أبيب وأديس أبابا سابقاً عدة اتفاقيات لإقامة مشاريع نهرية في بحيرة تانا على النيل الأزرق ما بين العامين 1990 و1996، في سياق سعي "إسرائيل" للحصول على حصة من مياه النيل، وتجدد الحديث بشأن ذلك الأمر خلال زيارة نتنياهو إلى أديس أبابا في العام 2016، إذ قال بوضوح إن "إسرائيل" ستساعد إثيوبيا في تحسين وزيادة حصتها من مياه النيل وستدعم قطاعها الزراعي. 
كما تؤكد تقارير مشاركة شركات إسرائيلية في التجهيز للمشاريع المستقبلية لتصدير الطاقة الكهربائية من إثيوبيا إلى كينيا وجنوب السودان. كل ذلك يعكس الدور الإسرائيلي في سد النهضة، فضلًا عن الأطماع في مياه النيل.

استياء ورفض
وزير الري الأسبق، محمد نصر علام، بدأ حديثه مع "الرئيس نيوز" بالقول: "إسرائيل حتى ولو أنها هي الدولة الوحيدة القادرة على حل القضية لا ينبغي الذهاب إليها؛ فتاريخها العدائي لمصر لا يسمح لها بالقيام بمثل هذه الأداور"، ولفت إلى أن إسرائيل هي من بين أبرز الدول الداعمة لبناء السد الأثيوبي فكيف ستكون وسيطًا.
أكد علام أن الحديث في مثل هذه المواضيع يضر ولا ينفع، ويسبب كثيرًا من الإحباط في الشارع المصري، خاصة أن تلك الدولة هي العدو الأول لمصر من وجهة نظر المصريين، وطالب بالتوقف عن بحث مثل هذه الأمور.
أما أستاذ العلوم السياسية في جامعة القاهرة، محمود حسين، استبعد المسألة، وقال طرح غير قابل للمناقشة من قريب أو بعيد، ولفت في تصريحات لـ"الرئيس نيوز": "إسرائيل من أكبر ممولي السد، وتشارك بمنظومة صواريخ سبايدر في تأمين السد فكيف يتم الاستعانة بها"، مستبعدًا أن تكون الحكومة المصرية لديها الاستعداد لفعل ذلك.

اتساع المقاربات
وتتسع هوة الخلاف بين المقاربة المصرية، ومعها نظيرتها السودانية في اعتبار السد الإثيوبي "تهديداً وجودياً لأمنهما المائي"، مع استمرار تعنت أديس أبابا في "خطواتها الأحادية"، وتمسك الأخيرة بـ"ضرورة وحتمية السد لنهضتها وتنميتها مع تأكيد عدم إلحاق أضرار ذي شأن بدولتي المصب"، فيما يمضي المسؤولون بالقاهرة في تصريحاتهم التي تحمل في ثناياها تهديداً بأن "كل الخيارات تبقى مفتوحة للحفاظ على مصالح القاهرة وأمنها المائي" وضغطاً عبر الاستعانة بالشركاء الإقليميين والدوليين لحلحلة الموقف الإثيوبي، إضافة إلى التحرك باتجاه شرح الموقف الرسمي من القضية.
وتتصاعد المطالب الشعبية وأصوات النخب، بالمضي قدماً في الخيار العسكري، كخيار "حتمي" لحل الأزمة، لا سيما بعد جلسة مجلس الأمن، التي اعتبرها كثيرون "مخيبة لآمال دولتي المصب (مصر والسودان)"، عاد الرئيس السيسي، وأكد في أول تعليق له منذ جلسة مجلس الأمن، أن بلاده تواصل السعي للتوصل إلى اتفاق ملزم، محذراً من المساس بحصة بلاده من المياه التي جدد وصفها بـ"الخط الأحمر"، وأن مصر لديها خيارات متعددة للحفاظ على أمنها القومي.

وكشفت جلسة مجلس الأمن عن تباعد في المواقف الدولية عن الرؤية المصرية - السودانية، خاصة من دول وحكومات لطالما امتازت علاقات القاهرة بها بالشراكة الاستراتيجية والحيوية، إلا أن كلماتهم، وبالأخص روسيا، جاءت "أكثر جنوحاً نحو الرواية الإثيوبية للأزمة"، وفق مراقبين، متسائلين عما إذا كان "مجلس الأمن" قد أربك الحسابات المصرية بقدر ما أوضحته من "تعقد وتشابك المصالح والمواءمات السياسية والتفاعل بين الأعضاء الدائمين وغير الدائمين"، وفق تعبير وزير الخارجية المصري سامح شكري.