وزير الخارجية السابق: لهذه الأسباب الصدام آتٍ آتٍ مع أثيوبيا
رجح الدبلوماسي المخضرم، وزير الخارجية المصري السابق، نبيل فهمي، احتمالية الصدام بين مصر والسودان من جهة، وأثيوبيا من جهة أخرى، وقال في مقال له نشر بموقع "إندبندنت عربية": "الخيارات المتاحة الآن أصبحت تتلخص في تغيير سبل تناول المشكلة من قبل القاهرة والخرطوم، بما في ذلك اتخاذ إجراءات خشنة مختلفة، أو تغيير منهجهما التفاوضي وطلباتهما تسهيلاً لتحريك المفاوضات. وهو ما يحمل في طياته مخاطر كبيرة، لأنه يعني القبول ولو ضمناً بفرض الأمر الواقع من قبل أديس أبابا، من ثم مرة أخرى الصدام آتٍ آتٍ عاجلاً أم أجلا، إلا إذا شهدنا تغييراً مفاجئاً وغير متوقع في الموقف الإثيوبي".
لفت الوزير السابق إلى أن القراءة السياسية لمواقف الدول الأعضاء في مجلس الأمن وللوضع الدولي عامة كانت تشير إلى صعوبة توقّع إصدار قرارات ملزمة من المجلس تستجيب للمطالب المشروعة لمصر والسودان؛ خصوصاً مع وجود مشكلات نهارية بين بعض أعضاء المجلس.
تصوران أمام المجلس
يقول فهمي إن المجلس كان أمامه طرحان، أحدهما من إثيوبيا التي أبلغت به مصر والسودان بخطابات رسمية ببدء الملء الثاني مع بداية موسم الأمطار لتخزين 18.4 بليون متر مكعب خلال عامين، منها 6.9 بليون متر مكعب خلال يوليو و6.6 بليون متر مكعب في أغسطس 2021، مع دعوة إلى تبادل المعلومات وبحث مقترح رئيس الاتحاد الأفريقي الرئيس تشسيكيدي للوصول إلى حل مقبول للأطراف المختلفة من خلال مراحل تفاوضية متدرجة، مع تأكيد أثيوبيا على حريتها في إدارة السد باعتبارها مسألة داخلية وفنية، والتمسك بأن تكون المفاوضات في السياق الأفريقي لا غيره.
أما الطرح الثاني كان العربي المدفوع من مصر والسودان، وترجم في مشروع قرار مقدم من تونس يدعو كل الأطراف إلى عدم اتخاذ إجراءات أحادية، واستئناف مفاوضاتهم في إطار أوسع، بدعوة مشتركة من رئيس الاتحاد الأفريقي والأمين العام للأمم المتحدة وبحضور مراقبين نشطاء، للانتهاء إلى اتفاق ملزم بشأن إدارة السد خلال ستة أشهر، مع تمكين إثيوبيا من توليد الكهرباء من دون الإضرار بالدول الأخرى، وتجنّب الدول الثلاث إصدار تصريحات أو اتخاذ إجراءات من شأنها التأثير سلباً في المفاوضات، ووقف أديس أبابا الملء الثاني. وطالب المشروع الأمين العام للأمم المتحدة بتقديم تقارير إلى مجلس الأمن في شأن تنفيذ القرار واستمرار اعتبار المسألة مطروحة على مجلس الأمن.
النرويج أكثر صراحة
يشير فهمي إلى أن أعضاء المجلس دعوا مصر والسودان وإثيوبيا إلى تعاون للتوصل إلى حل في الإطار الأفريقي، بعيداً من مجلس الأمن، فيما كانت مندوبة النرويج الأكثر صراحة في ذلك، إذ تجنّب المتحدثون مطالبة أديس أبابا مباشرة بوقف الملء الثاني، واكتفوا بدعوة الدول الثلاث إلى تفادي الأفعال أو الأقوال التي من شأنها أن تصعّب مسار المفاوضات، وكان المندوب الروسي الأكثر سلبية في اعتراضه الصريح على أي تهديد باستخدام القوة، وتلافى التطرق إلى الإجراءات الإثيوبية. وأشارت السفيرة الأميركية إلى إعلان المبادئ لعام 2015، وأغفلت الإشارة إلى مشروع الاتفاق لعام 2020 الذي بُلور تحت وصاية الإدارة الأميركية السابقة ولم توقّع عليه أديس أبابا. وتجنّب الجميع التطرق إلى أهداف المفاوضات أو مدتها الزمنية.
وصف فهمي كلمة مصر في مجلس الأمن بالقوية، وان السودان شرحت موقفها بدقّة وصراحة، حتى فيما يتعلق باختلاف منظور البلدين بعض الشيء، بل أظهر الطرفان قدراً واسعاً من المرونة قبل بدء المناقشات الرسمية، حينما طورا موقفهما من المطالبة بعقد المفاوضات في إطار رباعي أوسع نتيجة لتعثّر تلك الأفريقية، وقبلا بأن تستمر في إطار أفريقي مدعوم من الأمم المتحدة وغيرها كمراقبين نشطاء، وطوّرتا مشروع القرار المقدم للمجلس على هذا النحو.
إنجاز وعدم رضا
وعن الإنجاز الذي حققتاه مصر والسودان من جلسة مجلس الأمن، هو نجاح القاهرة والخرطوم في تسليط الأضواء على حساسية قضية بناء سد النهضة وخطورتها بالنسبة إليهما، خصوصاً الرغبة الإثيوبية باتخاذ قرارات أحادية بشأن مصير نهر النيل الأزرق، وهو إنجاز ومصدر إزعاج وقلق لأديس أبابا.
يشير الوزير السابق إلى أنه على الرغم من هذا التسليط إلا مصر والسودان غير راضيتين بنتائج الجلسة إذا لم تنتهِ مداولات المجلس ومخرجاته إلى التوصية بتوسيع إطار المفاوضات، ولم تشمل مخرجاته أو حتى بيانات الأعضاء الدعوة إلى وقف أو إبطاء الملء الإثيوبي الثاني للسد أو إجراءات مماثلة مستقبلاً، أو حتى الدعوة إلى التوصل إلى اتفاق ملزم خلال مدة زمنية محددة لإدارة تمرير المياه، وكلها عناصر طرحت في مشروع القرار التونسي.
يتابع فهمي إلى أن مصر والسودان لن يشعرا بالرضا حتى إذا شهدنا في الأيام القليلة المقبلة بعض الجهود الدولية سواء داخل مجلس الأمن أو خارجة تنتهي إلى مخرجات جزئية تدعم دور المراقبين في المفاوضات، وتحديد مدة زمنية مستهدفة للمحادثات، طالما لم تُحسم النقاط الرئيسة الخلافية، وأهمها أن تكون هناك قرارات ثلاثية بشأن إدارة المياه، وفقاً لقواعد ملزمة قانونياً للجميع، مع وجود آلية لفض النزاعات.