"جميلة".. قصة فيلم مصري تنبأ باستقلال الجزائر
اتسمت السينما المصرية، منذ تأسيسها بالأسبقية
في التعبير عن القضايا الوطنية والقومية لشحذ همم الشباب الموجه له بريق الفن
السابع، ليؤسس على معاني الإنتماء والوفاء للأوطان التي يحيا بها، وهو ما قام به
المخرج العالمي يوسف شاهين، وقت تصديه للقضية الجزائرية في فيلمه الشهير
"جميلة" في العام 1958.
(محمود المليجي وماجدة في فيلم جميلة)
اشتدت المعارك الجزائرية في حرب استقلالها ضد
المستعمر الفرنسي، وكان لصدى القبض على المناضلة الجزائرية الكبيرة "جميلة
بوحيرد" في العام 1957، الحافز الأكبر للكاتب الكبير، عبد الرحمن الشرقاوي بتجسيد
ملحمة "جان دارك العرب" بمسرحيته الشعرية الكبيرة "مأساة
جميلة".
(رشدي أباظة وكريمان في فيلم جميلة)
إجتذبت السينما قصة الثائرة الجزائرية، عبر
المنتجة والفنانة الكبيرة، ماجدة الصباحي التي أسندت إخراج العمل للمخرج عز الدين
ذوالفقار في بداية الأمر، لكن خلافات وجهات النظر لم تكمل التعاون بينهما، لتختار
الأقدار تلميذ ذو الفقار، المخرج العالمي يوسف شاهين.
(بوستر فيلم جميلة)
كتب سيناريو الفيلم الكتاب الكبار عبد الرحمن
الشرقاوي، علي الزرقاني ونجيب محفوظ كتحية واجبة ومؤازرة قوية للشعب الجزائري
وللبطلة المتحملة لأنياب النمر الفرنسي وجدران سجونه العتيدة.
(بوستر فيلم جميلة)
تدور أحداث الفيلم حول قصة حياة
المناضلة الجزائرية "جميلة بوحريد" التي ساهمت في مقاومة الاحتلال
الفرنسي للجزائر، حيث تري تعذيب و مقتل زميلتها (أمينة) بالمدرسة والتي كانت ضمن
منظمة لمقاومة الاحتلال، لتقرر جميلة إستكمال مسيرة النضال، وتتصاعد الأحداث.
(ماجدة ويوسف شاهين أثناء عرض الفيلم بمهرجان موسكو 1959)
شارك في الفيلم كلاً من : ماجدة، أحمد مظهر،
رشدي أباظة، فاخر فاخر، حسين رياض، كريمان، صلاح ذو الفقار، محمود المليجي، فريدة
فهمي، أحمد أباظة، زهرة العلا.
(المناضلة الجزائرية جميلة بوحيرد)
جاء الفيلم تزامنًا مع مشاركة الجيش المصري،
المقاومة الجزائرية لتحرير أرض الجزر الصغيرة من الاستعمار الفرنسي في فترة
القومية الناصرية، وتدعيم الزعيم للمقاومة الجزائرية التي إندلعت شرارتها يوم عيد
"القديس أوغسطين" يوم 1 نوفمبر من العام 1954.
قدم الفيلم محاكمة جميلة، واقترابها من حبل
المشنقة مما دفع عدد كبير من البلاد التي عرض بها الفيلم، بحشد مظاهرات إنسانية
تدعم المناضلة الصغيرة، ليخفف الحكم من الإعدام إلى المؤبد.
قدم الفيلم الفنانة ماجدة، في ثوب جديد جعله ،
من أفضل أفلامها على الإطلاق وأظهر محمود المليجي في ثوب جديد بعيدًا عن أدوار
الشر، من خلال دور المحامي الفرنسي"جاك فيرجيس" الذي دافع عن جميلة، رغم
فرنسيته مطبقًا على أرض الواقع شعار الثورة الفرنسية، "الحرية والأخاء
والمساواة".
تنبأ الفيلم باقتراب فجر الاستقلال قبل
بزوغه، بأربع سنوات من خلال مشهد نظرات جميلة، المليئة بالتحدي وهي تعاني من أنات
التعذيب والمعتقلين يرددون نشيد "جزائرنا يا بلا الجدود"، كدليل قطعي
على أن الفجر المنتظر سيأتي رغم أنف النمر الفرنسي المفترس، وقد أتى فعليًا في 5
يوليو من العام 1962.
وثق الفيلم مأساة الجزائر في مقدمته، بصوت
المذيع الكبير أحمد سعيد، الخدعة الفرنسية بوعدها للجزائر بحق تقرير مصيرها، إذا
شاركت فرنسا في الحرب العالمية الثانية وساعدتها على تحريرها من ألمانيا النازية،
لكن وعود المستعمر تظل كاذبة كفجره الكاذب.
تم إطلاق سراح جميلة، عن طريق "جاك
فيرجيس" الذي تزوجها فيما بعد ورغم منع المستعمر الفرنسي عرض الفيلم
بالجزائر، إلا أن عرضه بمختلف الدول المستعمرة حمس الجميع وبصرهم بحقيقة القضية
الجزائرية مرددين اسم "جان دارك العرب" بحناجر قوية تؤازرها في محنتها.
يعتبر فيلم "جميلة" من أفضل 100
فيلم في السينما المصرية، طبقًا لاستفتاء مهرجان الإسكندرية السينمائي في العام
1996، وقد حصل في القائمة على المركز رقم 54، وشارك في مهرجان موسكو السينمائي في
العام 1959، ولكن بناءً على طلب الجانب الفرنسي تم إبعاده من المنافسات الرسمية.