في ذكرى ميلاده.. الكلمة التي تسببت في سجن العقاد 9 أشهر
تمر اليوم الذكرى المائة واثنان وثلاثون
عامًا، على ميلاد "عملاق الأدب العربي"، عباس محمود العقاد الذي قدم
للمكتبة العربية، العديد من النفائس والمؤلفات النيرة التي خدمت الثقافة والمعرفة
والتنوير على مدار نصف قرن من التثقيف والإبداع والتفكير.
(العقاد وقت عضويته بمجلس النواب عن دائرة مرسى مطروح)
في العام 1930
أعدت حكومة النحاس باشا قانونًا لمحاكمة الوزراء الذين يعتدون على الدستور، وقدمته
للملك أحمد فؤاد الأول لتوقيعه ثم إحالته للبرلمان، وكان الغرض من إصدار هذا
القانون صيانة النظام الدستوري لمصر وحمايته لكن الملك فؤاد امتنع عن توقيع مرسوم
القانون، ولم يرسله إلى البرلمان فقررت الوزارة تقديم استقالتها احتجاجًا على
تعطيل صدور القانون.
(الملك أحمد فؤاد الأول)
لم يدخر العقاد مجهودًا لنقد تلك الخطوة
الملكية، وارتفع صوته البرلماني المعارض من تحت قبة البرلمان على رؤوس الأشهاد من
أعضائه قائلاً : "حضرات النواب، أرى أن
مجلس النواب لابد أن يكون له موقف حازم وواضح من هذا العبث السياسى؛ لأن الأزمة
ليست أزمة مجلس الوزراء فحسب، بل هى أزمة مجلس النواب نفسه، بل أزمة الدستور
المصرى وليعلم الجميع أن هذا المجلس مستعد لأن يسحق أكبر رأس فى البلاد فى سبيل
صيانة الدستور وحمايته".
(الزعيم مصطفى باشا النحاس)
تسببت هذه
الكلمة في دخوله السجن لمدة تسعة أشهر، لعيبه في الذات الملكية، وهي تجربة أضفت
بعدًا جديدًا على روافده المعرفية لتزيده زخمًا في تأملاته الفكرية عبر كتبه
المتنوعة، ومقالاته الثرية النابعة من موسوعيته المتفردة.
(ضريح سعد باشا زغلول)
لم يستسلم العقاد لمرارة السجن القادمة من
جدرانه الكئيبة، بل جعل منها مفتاحًا سحريًا لإحدى مؤلفاته المهمة الجامعة بين فن
القصة، وأدب الرحلات، وأدب التأملات تحت عنوان "عالم السدود والقيود"
مستلهمًا من صدمة السجن إلهامًا جديدًا لصلابته المعهودة، منذ نعومة أظفاره.
كتب العقاد في مقدمة كتابه قائلاً : "هذه الصفحات
هى خلاصة ما رأيته وأحسسته، وفكرت فيه يوم كنت أنزل "عالم السدود
والقيود"، وأشعر ذلك الشعور وأنظر إلى العالم من ورائه ذلك النظر، لست أعني
بها أن تكون قصة، وإن كانت تشبه القصة فى سرد حوادث ووصف شخوص، ولست أعني بها أن
تكون بحثًا فى الإصلاح الاجتماعي وإن جاءت فيها إشارات لما عرض لي من وجوه ذلك الإصلاح،
ولست أعني بها أن تكون رحلة، وإن كانت الرحلة في كل شىء".
(العقاد ساعة تلقيه لحكم سجنه تسعة أشهر)
تسبب السجن في إصابة العملاق بإلتهاب رئوي
حاد، جعل الكوفية ملازمة له صيفًا وشتاءً بسبب برد السجن بقضبانه الصارمة.
وصف
العقاد أخلاق النزلاء وأساليبهم في التعامل واللغة الخاصة بهم التي لا يعرفها غيرهم،
إلى جانب وصفه وتصويره للقائمين على السجن من رجال الضبط والربط.
عقب خروج العقاد من السجن، ذهب في التو
واللحظة إلى قبر الزعيم سعد زغلول، الذي أطلق عليه لقب "جبار القلم"
منشدًا تلك الأبيات المستلهمة من قبر زعيم الأمة قائلاً :
لبثت فى السجن
تسعة أشهر وها أنا ذا فى ساحة الخلد أولد
ففي كل يوم
يولد المرء ذو الحجا وفي كل يوم ذو
الجهالة يلحد
وما أقعدت لي
ظلمة السجن عزمة ففي كل ليل حين يغشاك مرقد
وما غيبتني
ظلمة السجن عن سنى من الرأي يتلو فرقدًا منه فرقد