الجمعة 22 نوفمبر 2024 الموافق 20 جمادى الأولى 1446
رئيس التحرير
شيماء جلال
عاجل
عرب وعالم

«توبة الأغا».. الفشل يغير سياسة أردوغان في شرق المتوسط والمنطقة

الرئيس نيوز

أجبرت سلسلة الإخفاقات التركية والعزلة المتزايدة في شرق البحر المتوسط  الرئيس أردوغان على إعادة ضبط سياسته تجاه المنطقة. ومع ذلك، وفقًا لمركز "بيجن – السادات" للداسات الاستراتيجية، كان هناك إحراج دبلوماسي تركي آخر نتج عن محاولة أردوغان تصدير صورة مبالغ فيها للغاية عن نفسه.
كان أدوغان بصفته نموذجًا لتيار العثمانيين الجدد في تركيا يود أن يظهر على أنه المحرك الرئيسي للإطاحة ببشار الأسد، وكان يمني النفس بأن يحل محله بتيار الإسلام السياسي في سوريا المجاورة لتركيا مباشرةً، وكان يسوق لنفسه بين أتباعه كزعيم قادر على عزل إسرائيل دولياً ومناصرة القضية الفلسطينية وطرد الولايات المتحدة وروسيا من الأراضي الإسلامية ومن هنا يقرأ المراقبون مواصلة أردوغان لدعم تنظيم الإخوان. 
ولكن تغيرت قواعد اللعبة في شرق البحر الأبيض المتوسط ، حين سعت أنقرة لتصبح عنوة وبالقوة اللاعب الرئيسي في استكشاف الهيدروكربونات؛ الأمر الذي أدى إلى تنفير قبرص ومصر واليونان علاوة على المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة من سياسات العثمانيين الجدد الذين سعوا كذلك بقيادة أردوغان لبناء نظام صديق لتركيا في ليبيا.
لكن بعد 10 سنوات من التجربة والخطأ والفشل تلو الآخر، يحاول أردوغان، الذي يشعر الآن بإحراج شديد على الصعيدين الدولي والمحلي، إيجاد طريقة للخروج من الفوضى التي جرته إليها أوهام العظمة.
مرت تسع سنوات منذ أن توقع رئيس الوزراء السابق ومنافسه السياسي الآن أحمد داود أوغلو أن سقوط نظام الأسد في سوريا سيأتي في غضون أسابيع أو شهور، واستعذبت تركيا أردوغان شيطنة الحكومة المصرية في التجمعات الانتخابية لأردوغان على مدار سنوات، ولم يواري أردوغان دعمه للإخوان قط، في كل مؤتمر حزبي.
وفي عام 2018، أعلن أردوغان حربًا شخصية على ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان في أعقاب مقتل الصحفي السعودي المعارض جمال خاشقجي في القنصلية السعودية في اسطنبول. وتعهد أردوغان بتقديم الأمير السعودي إلى العدالة الدولية بأي وسيلة ضرورية.
في عام 2020، عندما أقامت الإمارات علاقات دبلوماسية مع إسرائيل، هدد أردوغان باستدعاء السفير التركي في أبو ظبي - متناسيًا على ما يبدو أن تركيا نفسها تقيم علاقات دبلوماسية مع الدولة اليهودية منذ عام 1949.
في غضون ذلك، فإن الوضع الداخلي في تركيا في حالة من الفوضى. بدأت العديد من متاجر البقالة في المدن الكبرى مثل اسطنبول في بيع الخبز القديم لأول مرة. ويباع الرغيف الذي لا يسمن ولا يغني من جوع بسعر 0.05 دولار، وهو أرخص من سعر السوق للخبز ويجذب آلاف العملاء. توجد طوابير طويلة أمام المحلات التي تديرها البلدية والتي تبيع الخبز المدعم.
على الجبهة الدبلوماسية، تركيا هي الدولة الوحيدة في شرق البحر المتوسط التي تم استبعادها تمامًا من جهود الاستكشاف متعددة الجنسيات في المنطقة. وتخشى أنقرة من أن تؤدي تصرفاتها في شرق المتوسط إلى فرض عقوبات إضافية، وهذه المرة معاقبة الاتحاد الأوروبي، إذا هددت مرة أخرى باستخدام القوة لمنع الاستكشاف من قبل مجموعة صديقة من دول أوروبا والشرق الأوسط.
هل إعادة ضبط الساسات بطريقة هادئة ممكنة؟ لن يأتي الأمر بسهولة
في بداية شهر مايو، أرسل أردوغان وفداً من الدبلوماسيين، بقيادة نائب وزير الخارجية سادات أونال، إلى مصر على أمل إصلاح العلاقات بشكل غير مباشر مع  القاهرة. وقبل الزيارة إلى القاهرة، وكبادرة حسن نية، اقترح حزب العدالة والتنمية الحاكم الذي يتزعمه تدشين مجموعة صداقة برلمانية مع مصر.
قال وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو في أبريل إن بلاده تسعى لتحسين العلاقات الدبلوماسية مع مصر. وردًا على ذلك، قال وزير الخارجية سامح شكري: "التصريحات الرسمية ليست كافية، ويجب دعمها بالأفعال، ويمكنني أيضًا أن أقول إن التصرفات هي السبيل الوحيد لإعادة العلاقات مع تركيا إلى وضعها الطبيعي".
كلمة "أفعال" في تصريحات شكري تعني، من بين أمور أخرى، نهاية قاطعة لدعم أردوغان الأيديولوجي واللوجستي لمئات من أعضاء تنظيم الإخوان على قائمة القاهرة للإرهابيين المتمركزين في تركيا. ماذا لو امتثل أردوغان، وماذا لو سلم الإخوان، فردوا عليه بالكشف عن كيف دعمت أنقرة أعمالهم العنيفة؟ خيار صعب.
على الرغم من أن الرياض لم تعلن قط أنها قاطعت البضائع التركية، إلا أن رجال الأعمال السعوديين وتجار التجزئة نفذوا هذه الخطوة العام الماضي، مما أدى إلى شلل الصادرات التركية إلى المملكة. نتيجة لذلك، جفت الصادرات التركية إلى المملكة العربية السعودية بالكامل في أبريل 2021، وفقًا للبيانات الرسمية، وظلت عند أدنى مستوى تاريخي. تراجعت المبيعات إلى المملكة العربية السعودية بنسبة 94.4٪ على أساس سنوي إلى 11.25 مليون دولار فقط، وفقًا لجمعية المصدرين الأتراك.
إن التكلفة الجيوسياسية التي تدفعها تركيا ليست فقط في عقود التصدير التي فقدتها. ففي مارس الماضي، أجرت اليونان المنافسة التقليدية لتركيا على بحر إيجة مناورات مشتركة مع المملكة العربية السعودية لتطوير مهارات أطقمها الجوية والتقنية، مع مشاركة طائرات F-15 وF-16 اليونانية وطائرات ميراج 2000 و فانتوم F-4 المقاتلة. وفي أبريل، وقعت أثينا والرياض اتفاقا لنقل بطارية باتريوت يونانية إلى المملكة العربية السعودية كحماية من المتمردين الحوثيين في اليمن. قال يزيد صايغ، زميل مركز مالكولم إتش كير كارنيجي للشرق الأوسط: "إن التعامل مع اليونان في مثل هذا الجانب المهم من التكنولوجيا العسكرية يرسل إشارة سياسية قوية".
وصُدمت تركيا عندما علمت أنها لم تعد مرغوبة حتى في "ليبيا الصديقة". في أوائل مايو، أرسل أردوغان اثنين من أعضاء مجلس الوزراء وكبار مسؤولي المخابرات إلى ليبيا على أمل تعزيز علاقات أنقرة الوثيقة مع حكومة طرابلس، أحد الأطراف المتحاربة في الحرب الأهلية.
وبعد الاجتماع مع وزير الخارجية تشاووش أوغلو ووزير الدفاع خلوصي أكار، حثت نجلاء المنقوش، وزيرة الخارجية في الحكومة الليبية المؤقتة، تركيا على تنفيذ قرارات مجلس الأمن الدولي التي تطالب بإخراج أكثر من 20 ألف من المرتزقة الأجانب من ليبيا. وقالت المنقوش "ندعو تركيا إلى اتخاذ خطوات لتنفيذ جميع بنود... وقرارات مجلس الأمن والتعاون معًا لطرد جميع القوات الأجنبية والمرتزقة من الأراضي الليبية".
كانت هذه التصريحات بمثابة "دش بارد" للفريق التركي، وتوبيخًا واضحًا لأنقرة لنشرها قوات ومرتزقة سوريين للقتال مع مليشيات طرابلس وتعتمد تركيا أيضًا على اتفاق 2019 مع الحكومة الليبية للحفاظ على ادعائاتها بالأحقية في المنطقة الاقتصادية الخالصة في أجزاء من البحر الأبيض المتوسط. كل ما كان من الممكن أن يقوله جاويش أوغلو المفزع رداً على ذلك هو أن القوات التركية كانت في ليبيا كجزء من اتفاق تدريب تم التوصل إليه مع إدارة سابقة في ليبيا. تذاكر الأوبرا في العام الماضي على مسرح طرابلس.
ويعتبر شرق البحر الأبيض المتوسط ، الذي كان في يوم من الأيام بحيرة عثمانية، الآن بمثابة تذكير لتركيا بأن تعظيم أردوغان لذاته يمكن أن يكون مكلفًا للدولة بأسرها.