الجمعة 19 أبريل 2024 الموافق 10 شوال 1445
رئيس التحرير
شيماء جلال
عاجل
تقارير

في ذكرى وفاته.. كيف أقنع الشعراوي رئيس الجزائر بصلاة الاستسقاء؟

الشيخ محمد متولي
الشيخ "محمد متولي الشعراوي"

في الذكرى الثالثة والعشرين لوفاة "إمام الدعاة" الشيخ محمد متولي الشعراوي، يظل اسمه مدَويَّا ورنانًا في آذان المسلمين لما تركه من أثر عظيم في تفسيره لكتاب الله عز وجل بأسلوب عصري، استطاع من خلاله أن يجمع بين المسلمين جميعًا حول كتاب الله الكريم بكل ائتلاف وشفافية ومنهجية سليمة.


(الشيخ الشعراوي والشيخ محمد بلقايد)

في العام 1963 عقب عام من استقلال الجزائر، أُرسل "إمام الدعاة" إلى الجزائر، رئيسًا لبعثة التعريب الأزهرية وقابل الشيخ "محمد بلقايد الهبري"، أبو الثورة الجزائرية الذي نهل من علمه نهلاً غزيرًا أضاف لروافده العلمية، وأفاده وقت تصديه لتفسير كتاب الله الكريم.


(الشيخ محمد الشعراوي يخطب في الناس)

يقول الشيخ الشعراوي : "عندما ذهبت إلى الجزائر، بعد الاستقلال، رئيسًا لبعثة التعريب الأزهرية، كان هواري بومدين قد انتهى من بناء «سد غرين» وذهب لافتتاحه، وحضرنا الاحتفال، ووقف الرئيس بومدين يخطب ويقول: «الحمد لله... عملنا «سد غرين»، وهذا السد سيحجز كذا متر مكعب من المياه، وبذلك يمكنكم أن تقوموا بري زراعاتكم سواء أمطرت السماء أم لم تمطر".


(الرئيس الجزائري هواري بومدين)

استطرد الشعراوي قائلاً : "لم تعجبني عبارة «سواء أمطرت السماء أم لم تمطر»، فقلت لبوتفليقة وزير الخارجية في حينه: قل للرئيس إن هذا الكلام خطأ، ليس فقط من الناحية العقائدية إذ يلغي المشيئة، بل أيضًا من الناحية العلمية لأنه إذا لم تمطر السماء فلن يوجد ماء ليحجزه السد. وذهب بوتفليقة وأبلغ الكلام للرئيس، وشاء الله بعد أسابيع أن يحصل جفاف، قلّما حصل مثله".


(الشيخ محمد متولي الشعراوي)

اجتمع الرئيس بومدين بالعلماء، من بينهم الشيخ الشعراوي والشيخ بلقايد وجاء المقترح من قِبل العالمين الجليلين بضرورة أداء صلاة الاستسقاء، سائلين المولى عز وجل باجتياز المحنة التي تعيشها الجزائر من جفاف عصيب.

أضاف الشعراوي قائلاً : "استقبل الناس الدعوة لصلاة الاستسقاء على نحوين: المتدينون المؤمنون كانوا يأملون منها وينظرون إليها باعتبارها من نسك الدين وأن الله سبحانه وتعالى شرعها لوقف مثل هذا الفزع، أما الآخرون من أصحاب الثقافات غير الدينية فقالوا في استهزاء: اعملوا صلاة الاستسقاء وشوفوا حتعمل إيه الصلاة بتاعتكم؟".


(الشيخ الشعراوي والشيخ بلقايد)

جاء هذا التقسيم في وقت، إنقسام العالم بين من يؤمنون بالغيبيات وبين من ينكرونها عبر الإكتفاء بالمنطق في تفسير الأشياء. من هنا طلب الرئيس بومدين بإقامة صلاة الاستسقاء في الجامع الكبير بعد يومين.

أردف الشعراوي عن هذا اليوم قائلاً : "وجاء يوم صلاة الاستسقاء وجلسنا في الجامع الكبير ننتظر حضور بومدين، فدخل الرئيس المسجد وقبل أن يهم بالجلوس قلت لوزير الأوقاف: قل للرئيس أن يصلي ركعتين تحية للمسجد، وأضفت: إحنا جايين هنا نشحت من ربنا ونقول: يارب، نفزع إليك. وذهب الوزير للرئيس وأبلغه الرسالة، فوقف وصلّى ركعتين، ثم صلّينا صلاة الاستسقاء وجلسنا ساكتين وطالت الجلسة وطال السكوت، فقلت لأحد المشايخ الجالسين إلى جانبي: إحنا قاعدين كده ليه دلوقت؟ مش تقوموا تروحوا؟ فقال: أسكت! قلت له: فيه أيه؟ قال: أنت موش داري؟ الدنيا بتمطر، فقلت: صحيح؟ قال: أيوه، وراحوا علشان يجيبوا مظلة لكي يخرج بها الرئيس بومدين، فقلت: الحمدلله الحمدلله، لن أخرج من هنا إلا بعد صلاة المغرب... الحمدلله ربنا سترها معانا. هكذا يستجيب الله سبحانه وتعالى لدعاء ورجاء الناس الصالحين حيث يقول في كتابه الكريم: "وقال ربكم ادعوني أستجب لكم"، فالدعاء -كما يقول ابن القيم- من أنفع الأدوية وهو عدو البلاء يدفعه ويعالجه ويمنع نزوله ويرفعه أو يخففه إذا نزل، وهو سلاح المؤمن وعماد الدين ونور السماوات والأرض، وهو من أعظم ما يزيد لذة الإيمان في القلب، لأنه ركن قوي في طريق سعي العبد إلى القرب من الله تعالى".


(الرئيس عبد العزيز بوتفليقة)

عقب هذا الحدث، إسترد عدد كبير من اللادينيين إيمانهم حينما شاهدوا بالواقع الملموس إستجابة الله عز وجل للدعاء، عند خروجه من القلب مجردًا وصادقًا من أية أهواء أو مصلحة وقت الشدائد.

ترك الشيخ الشعراوي، أثرًا مهمًا وكبيرًا في أرض الجزائر عقب هذا الموقف الذي رسخ لمفهوم العقيدة الصحيحة عبر العلم والعمل مع اللجوء للدعاء لتتويج المجهودات بنفحات إيمانية، علاوة على وضع بصماته الدعوية واللغوية في إستعادة الجزائر لماهيتها العربية والإسلامية، عقب استقلالها من المحتل الفرنسي نهائيًا في يوليو من العام 1962.