بين خيبة الأمل والارتياح.. تباين الآراء حول القرار العربي بشأن سد النهضة
انتهت مساء أمس الثلاثاء، فعاليات الجلسة الطارئة والاستثنائية لوزراء الخارجية العرب في قطر، بطلب مصر سوداني؛ للحصول على الدعم العربي في أزمة "سد النهضة" الذي تبنيه أثيوبيا على مياه النيل الأزرق، وترفض إبرام أي اتفاقيات قانونية ملزمة بشأن ملء وتشغيل السد، لحفظ حقوق دولتي المصب في مياه النيل.
القرار العربي بشأن سد النهضة 2021
وعلى الرغم من أن بيان الجامعة العربية أدان التعنت الأثيوبي، ودعا مجلس الأمن للانعقاد؛ لمناقشة الأزمة، جاء رد أديس أبابا مخيب للآمال، إذ أكدت الخارجية الأثيوبية في أعقاب اختتام الاجتماع العربي، أنها ماضية في الملء الثاني في موعده، وأنها ترفض كل ما جاء في الاجتماع.
البيان الختامي
وتضمن البيان الختامي لوزراء الخارجية العرب، أمس الثلاثاء، دعوة مجلس الأمن لعقد جلسة لبحث قضية سد النهضة الإثيوبي، واتخاذ الإجراءات اللازمة لإطلاق عملية تفاوضية فعالة تضمن التوصل إلى اتفاق في إطار زمني محدد.
شدد البيان على أن الأمن المائي لمصر والسودان هو جزء أساسي من الأمن القومي العربي، رافضًا المساس بحقوقهما في مياه نهر النيل، وعبر مجلس جامعة الدول العربية، في اجتماعه الذي عقد في العاصمة القطرية الدوحة، عن شكره جمهورية جنوب أفريقيا على الجهد الذي بذلته في تسيير المفاوضات خلال رئاستها الاتحاد الأفريقي، معربًا عن قلقه من تعثر هذه المفاوضات بسبب المواقف الأثيوبية، خاصة خلال الاجتماع الذي عقد في جمهورية الكونغو إبريل الماضي.
تطرق البيان أيضًا إلى مدى القلق من إعلان إثيوبيا نيتها الاستمرار في ملء السد خلال موسم الفيضان المقبل، وهو ما اعتبره إجراءً أحاديًا يخالف قواعد القانون الدولي، مطالبين إثيوبيا بالامتناع عن أخذ أي إجراءات أحادية الجانب توقع الضرر بالجانبين المصري والسوداني، بما في ذلك الامتناع عن ملء خزان سد النهضة من دون التوصل إلى اتفاق.
أكدت الجامعة أهمية التفاوض بحسن نية من أجل التوصل إلى اتفاق عادل ومتوازن وملزم قانونيا حول سد النهضة، لحفظ حقوق الأطراف كافة، ودعا المجلس تونس واللجنة التي شكلها بتاريخ 23 يونيو من العام الماضي، لمتابعة تطورات الملف والتنسيق مع الأمم المتحدة، إلى تكثيف جهودهما في التواصل مع مصر والسودان حول الخطوات المستقبلية بالنسبة لهذا الملف.
بيان جيد
أستاذ العلاقات الدولية في جامعة القاهرة، طارق فهمي، وصف خلال حديثه مع "الرئيس نيوز" البيان الختامي للاجتماع الطارئ والاستثنائي في الجامعة العربية بـ"الجيد"؛ لأنه أكد الدعم العربي لمصر والسودان في القضية، وتابع قائلًا: "رغم أن الدعم والتضامن جاء متاخرًا، لكنه جيد في عمومه".
أوضح فهمي أن أهمية البيان تكمن في أنه أولًا وجه رسالة قوية إلى أثيوبيا بالموقف العربي الداعم لمصر والسودان، وكذلك تأكيده على أن الأمن القومي المائي المصري والسوداني، جزء لا يتجزء من الأمن القومي العربي، أما الأهمية الثالثة للبيان فتكمن في أن التحرك المصري يأتي في إطار عربي شامل، وكون الاجتماع جاء في قطر فإن لهذا مغزى آخر.
لفت أستاذ العلاقات الدولية إلى أن أثيوبيا لها نفوذ كبير في كامل مجالس الاتحاد الأوربي، والبيان العربي الختامي ببنوده ينقل رسالة إلى القوى الآخرى الداعمة لأثيوبيا بأن مصر تحظى هب الأخرى بدعم عربي شامل ومن المؤسسة العربية (الجامعة العربية)، وتابع: "الاجتماع أيضًا رسالة إلى أمريكا بضرورة التحرك الفاعل لحل الأزمة منعًا لتفاقمها".
وأضاف قائلًا: "أرى أن الاجتماع بمخرجاته جيدة، وهناك موقف عربي داعم لمصر، لكن المهم أن يكون هناك مواقف وتحركات عربية مكملة في ذات السياق؛ فلابد من دور عربي يتم من خلال المجموعة العربية في الأمم المتحدة، ومن خلال مجلس الأمن، عبر تونس، لتعريف العالم بالقضية وإبلاعهم بأنهم يقفون خلف مصر والسودان في قضيتهما".
يشير فهمي إلى أن التحرك المصري يأتي على مستويات عدة، فقبيل الاجتماع العربي وجهت مصر خطابًا لمجلس الأمن لإطلاع المجلس على آخر تطورات الملف. وبالتالي ما حدث أمس في الدوحة تحرك جيد وسيبنى عليه ويترتب عليه نتائج إيجابية أخرى.
وعن دلالات استضافة قطر للاجتماع، قال أستاذ العلاقات الدولية: "اجتماع الدورة الحالية لوزراء الخارجية العرب هو برئاسة قطر، والداعي للاجتماع مصر والسودان. ووفق ميثاق الجامعة العربية فإن من حق الدولة الرئيسة أن تعقد الاجتماع على أراضيها، إن لم يعقد في المجلس. وغالبًا فضلت قطر عقد الاجتماع على أراضيها لنقل رسالة إلى مصر بأنها داعمة لها في تلك القضية. خاصة بعد التطورات الإيجابية في العلاقة بين الدولتين".
مواقف تدريجية
كان وزير الخارجية القطري، محمد بن عبدالرحمن آل ثاني، قال خلال مؤتمر صحفي مع أبو الغيط، إن الجامعة العربية قد تتخذ "إجراءات تدريجية" لدعم موقف مصر والسودان في خلافهما مع إثيوبيا بشأن السد.
ودعا وزير الخارجية، سامح شكري، الدول العربية إلى دعم المسعى المصري السوداني إزاء قضية سد النهضة، مشددا على أن صبر بلاده تعرض لاختبارات عدة، وتصرفت مصر من منطلق إدراكها لتبعات تصعيد التوتر على أمن واستقرار المنطقة.
وقال شكري، خلال كلمته، إنه ليس من المقبول أن يستمر التفاوض إلى ما لا نهاية، خاصة مع إدراك بلاده نوايا الطرف الآخر، وإقدامه على خطوات أُحادية تُفرغ أي تفاوض من مضمونه، ووصف شكري سلوك إثيوبيا بـ"المراوغ" قائلا إن أديس أبابا تظن أنها قادرة على فرض رؤيتها وتجاهل مواقف الآخرين.
المرحلة قبل الأخيرة
من جانبه، علق الكاتب الصحفي عماد الدين أديب، على اجتماع وزراء الخارجية العرب بالدوحة لبحث أزمة سد النهضة الإثيوبى، موضحًا أن الاجتماع يتضمن مناقشة دعم مصر والسودان وبحث موقف عربي جماعي من مسألة السلوك الإثيوبي تجاه سد النهضة.
أكد أديب، خلال مداخلة هاتفية ببرنامج "الحياة اليوم" على قناة "الحياة"، إن انعقاد الاجتماع في دولة قطر مهم لعدة أسباب، وأبرزها أن قطر وتركيا لديهما علاقات قوية داخل إثيوبيا، وإذا أرادت قطر الإيجابية وأنها على صواب، فيمكنها بخيوط العلاقات المادية التي لديها والاقتصادية والتجارية والشخصية بين الأمير القطرى وآبي أحمد، أن تجعل الموقف الإثيوبي يدخل في نقاط المفاوضات العاقلة التي ستسفر عن اتفاق قانونى ملزم، لا يؤدى في النهاية للتأثير على حصص مصر والسودان من المياه، وتجنيب المنطقة فاتورة صدام عسكرى.
وأوضح أن مصر الآن في مرحلة ما قبل النهاية فيما يخص السقف الزمني، لمفاوضات سد النهضة، وأن إثيوبيا تواجه ملفين صعبين، وهما انتخابات الداخل وعملية الملء الثاني، وأصبح الملفان مرتبطين ببعضهما البعض، مضيفًا: "آبي أحمد ربما يدخل حربا إقليمية لأجل الانتخابات".
مخيب للآمال
ويبدو أن مخرجات البيان العربي لم ترق لتطلعات بعض الكتاب العرب، فالكاتب عبدالباري عطوان، يقول في مقال له، قرارات الاجتِماع الوزاري العربي مخيبة للآمال، ولا تتناسب مع حجم التّهديدات التي تُواجهها دولتا الممر والمصب، أي السودان ومِصر؛ فكل ما تمخض عنه هذا الاجتِماع الطارئ والاستِثنائي توجيه دعوة إلى مجلس الأمن الدولي للانعِقاد لبحث أزمة السد، وكأن هذا السد لا يشكل تهديدا بتعطيش وتجويع أكثر من 40 مِليون من الأشقاء العرب، ماذا سيفعل مجلس الأمن لوقف هذا التعنت الإثيوبي، وماذا ستستفيد مِصر والسودان من أي بيان إنشائي بالإدانة.
يتابع عبد الباري: "إذا كانت أمريكا مدعومةً بصندوق النقد الدّولي فشلت في فرض نتائج وساطة توصلت إليها إدارة ترامب السابقة بعد مفاوضات مكثفة بحضور أطراف الأزمة الثّلاثة في واشنطن، فهل سينجح مجلس الأمن فيما فشلت فيه الدولة الأعظم في العالم صديق إثيوبيا؟ وما هو مصير أكثر من 60 قرارًا صدرت عن مجلس الأمن والجمعية العامة للأمم المتحدة فيما يتَعلَّق بالحُقوق العربيّة الفِلسطينيّة المُغتَصبة؟"
أكد الكاتب الفلسطيني أن الأولى بالحكومات العربية التلويح بمقاطعة أثيوبيا، أو التهديد بسحب السفراء، ناهِيك عن وضع كل إمكانياتها العسكرية والمالية تحت تصرف الحكومة المِصرية في مواجهة هذا الخطر الإثيوبي الوجودي، خاصةً أن المرحلة الثانية والأخطر لمَلء خزانات السد ستبدأ بعد عِشرين يومًا فقط.
تابع عبد الباري: "لن يردع إثيوبيا، ويُوقِفها عن حدّها، إلا موقف عربي قوي في جميع الميادين دعمًا لمِصر والسودان، أما هذه المواقف المائعة، فسَتُعطِي نتائج عكسية تَصب في مصلحة التعنت الإثيوبي، وتجويع عشَرات الملايين من مُواطني البلدين العربيّين المتضرِرين".
اختتم عبد الباري حديثه بالقول: "لا نعتقد أن الدولة المِصرية التي خاضت أربع حروب حِماية لأمنها القومي ضد العدو الإسرائيلي، ستتردد لحظة في خوض الحرب إذا اضطرت إليها، حماية لأمنها القومي المائي، فمَن استطاع تدمير أُسطورة خطّ بارليف وهزم الجيش الإسرائيلي عام 1973 ودفع جولدا مائير إلى الاستِنجاد بأمريكا، يستطيع أن يدمر سد النهضة مهما كانت التبعات المترتبة على هذه الخطوة، وسيَجِد الجيش مِئة مِليون مِصري و300 مِليون عربي يقِفون خلفه، ونحن نتحدّث هنا عن الشعوب الحُكومات.
اقرأ أيضا: