بسبب تركيا.. المجلس الأطلسي: مصر تعيد ضبط استراتيجيتها في ليبيا
على الرغم من استئناف عملية السلام السياسي في ليبيا الذي أعاد تركيز الانتباه على الجهات الفاعلة المحلية، إلا أن تقريرًا نشره موقع "المجلس الأطلسي" ينوه إلى ضرورة تأمل تحركات اللاعبين الخارجيين لتقييم إمكانية التهدئة الحقيقية بين الفصائل الليبية المتنافسة، ولفت التقرير إلى أن القاهرة هي إحدى العواصم الرئيسية التي يجب الانتباه إلى تطور تحركاتها على المشهد الليبي.
منذ انتخابه رئيسًا لجمهورية مصر العربية في عام 2014، قدم الرئيس عبد الفتاح السيسي دعمه الكامل للشعب الليبي، معتبراً دعم الجيش الوطني الليبي الخيار المثالي لاستعادة الاستقرار في ليبيا وضحد المليشيات الإرهابية وحماية المصالح الاستراتيجية لمصر، وبصفة خاصة تأمين الحدود المصرية الليبية الممتدة.
لكن التدخلات الأجنبية في ليبيا وخاصة جلب تركيا للمرتزقة والمتطرفين إلى الأراضي الليبية كان تطورًا مهمًا دفع القاهرة على إعادة النظر في خططها للتعاطي مع معطيات الواقع.
وركز التقرير على استعادة القاهرة للعلاقات الدبلوماسية مؤخرًا مع طرابلس التي أصبحت تحت قيادة حكومة الوحدة الوطنية، وبالتالي أمسك الرئيس السيسي بالدفة من أجل إعادة ضبط الاستراتيجية المصرية من أجل تجنب التصعيد العسكري في مواجهة التدخل العسكري التركي والخط الأحمر "الجفرة- سرت".
وتراهن مصر على نجاح الجهود الدبلوماسية، لتظهر على أنها اللاعب الأكثر طلبًا للتسوية السياسية دون أن تتعرض ليبيا لموجات تالية من الاقتتال.
تدرك مصر جيداً أن أمنها القومي واستقرارها الداخلي مرتبطان حتماً بأمن حدودها مع ليبيا. وهذا أحد الأسباب التي دفعت مصر إلى إعلان خط أحمر بشأن تقدم الميليشيات الغربية نحو حدودها في يونيو 2020 وقبلت على الفور وقف إطلاق النار الذي اقترحته حكومة الوفاق الوطني في أغسطس 2020، وأثبتت مصر في غير موقف حرصها على دعم جهود بعثة الأمم المتحدة في ليبيا لاستئناف الحوار الوطني بين الأطراف المتنافسة كما تسعى مصر لتعزيز وقف إطلاق النار الموقع في جنيف في 23 أكتوبر 2020.
في الوقت الحالي، يبدو أن الحكومة المصرية، وفقًا لتقرير المجلس الأطلسي، مستعدة لدعم السلطة التنفيذية الليبية الجديدة بقيادة رئيس الوزراء عبد الحميد الدبيبة، كما يتضح من اقتراح إعادة فتح السفارة المصرية في طرابلس، وكذلك من خلال توقيع العديد من مذكرات التفاهم في القطاعات الأساسية - بما في ذلك الطاقة والاتصالات والبنية التحتية والاستثمارات والنقل - خلال زيارة رئيس الوزراء المصري للعاصمة الليبية في أبريل 2021.
ومهدت زيارة قام بها المبعوث الأمريكي الخاص إلى ليبيا إلى القاهرة في مايو الطريق لمجالات جديدة من التعاون بين مصر والولايات المتحدة في ليبيا.
وبالتالي، من الواضح أن المحاور الاستراتيجية للقيادة المصرية في ليبيا تتكيف وتتطور بما يتوافق مع التطورات على الأرض وتضع في الاعتبار الآثار الإقليمية الأوسع - لا سيما علاقاتها مع تركيا، والتي تدهورت نتيجة دعم أنقرة لتنظيم الإخوان بعد ثورة 2011.
وفي هذه المرحلة، يصبح من الضروري لمصر أن تنأى بنفسها بحذر عن أي استراتيجية أجنبية أخرى ما يعكس استقلالية الدور المصري وحرص القاهرة على تيسير السلام في الملف الليبي. في الوقت نفسه، ترى القاهرة أن من مصلحتها إبداء مزيد من الاعتدال على المستوى الدولي لتجنب أي صراعات محتملة مع الإدارة الأمريكية الجديدة.
بالإضافة إلى ذلك، فإن الاعتدال ضروري على المستوى الإقليمي مع تركيا لتقييم إمكانية التقارب المريح مع أنقرة. ضمن هذا السيناريو الجديد، فإن أحد ركائز إستراتيجية القاهرة هو إصلاح قطاع الأمن في ليبيا. وبالفعل، فإن أي محاولة لتحقيق الاستقرار في ليبيا لا يمكن فصلها عن القوات المسلحة الوطنية الليبية الموحدة، وتطهيرها من وجود الميليشيات والمقاتلين الأجانب، وعدم الإصرار على التطلعات الشخصية لأي سياسي. في الوقت نفسه، يبدو أن القاهرة تسعى لإيجاد دور في تعزيز قدرات القوات المسلحة الليبية المستقبلية - التي سيتم إنشاؤها من خلال إصلاح قطاع الأمن، كما يبدو أن الجيش الوطني الليبي نواة صلبة وأن تهميشه يمكن أن يؤدي إلى تعزيز خطير للقدرات المسلحة للجماعات المتحالفة مع تركيا والإخوان في ليبيا وتصاعد نفوذ ميليشيات طرابلس، خاصة وأن العملية السياسية الحالية لم تحدد بعد الطريق لبناء القوات المسلحة الليبية الموحدة.
لذلك، هناك أسباب لاستئناف الحوار الدبلوماسي الرسمي بين القاهرة وأنقرة خلال المحادثات الثنائية رفيعة المستوى التي عقدت في القاهرة في الفترة من 5 إلى 6 مايو، حدد الجانبان مجالات التعاون الرئيسية في المستقبل القريب: ليبيا والحاجة المشتركة لتحقيق قدر أكبر من الاستقرار في منطقة شرق المتوسط.
ومع ذلك، استجابت مصر حتى الآن بحذر للمبادرات التركية لأنه على الرغم من العناصر المؤيدة لـ "الصفقة الكبرى" المحتملة بين البلدين، لا يزال هناك الكثير من المصالح المتضاربة، خاصة فيما يتعلق بليبيا.
على المستوى العسكري، يمكن أن تقبل تركيا انسحاب الآلاف من المرتزقة السوريين الذين ترعاهم تركيا من ليبيا (يصعب تقييم العدد بدقة)، مع الحفاظ على وجود عسكري دائم وفقًا لاتفاقية الدفاع التركية الليبية لعام 2019. هذا الموقف غير مقبول إطلاقا للحكومة المصرية التي لن تتراجع عن شرط خروج القوات التركية والمرتزقة التابعين لها من البلاد.
تخشى مصر من أن رعاية أنقرة العسكرية لطرابلس إلى جانب الدعم التركي طويل الأمد لتنظيم الإخوان يمكن أن يهيئ التربة لنمو حكومة تنتمي إلى الإسلام السياسي في طرابلس. وهذه مخاطرة لا يحبذها الرئيس السيسي ولا حتى من أجل اتفاق عام مع أنقرة، لأن تنظيم الإخوان الإرهابي يمثل تهديدًا للأمن القومي.
وتواصل مصر رؤية الوضع الليبي من خلال عدسة دقيقة على الرغم من الدفعة الدبلوماسية، لا يزال الهاجس الأمني يهيمن على صنع القرار المصري.
بالنسبة لمصر، يمكن لأي اتفاق مع تركيا أن يحافظ على دور مصر العسكري والسياسي والاقتصادي في برقة - المنطقة الساحلية الشرقية لليبيا حيث يتمركز الجيش الوطني الليبي - ويوفر فرصة لتعزيز العلاقات الاقتصادية مع ليبيا. علاوة على ذلك، إذا تصرفت القاهرة وأنقرة جنبًا إلى جنب، فسيكون لدى القاهرة وأنقرة قدرة مشتركة على تحفيز حل سياسي في ليبيا شديدة الهشاشة، مع حماية مصالحهما على الأرض، كما لم تثبت أي جهة فاعلة إقليمية أو أوروبية أخرى أنها قادرة على القيام بذلك.
هذه الفرصة يجب ألا تضيع بسبب انعدام الثقة المتبادلة، في الواقع، يمكن أن تثبت ليبيا أنها سيناريو بناء الثقة بين اللاعبين الإقليميين الرئيسيين، مما قد يؤدي في النهاية إلى تحسين الاستراتيجيات الإقليمية لقضايا مثل الطاقة ومستقبل سوريا، كما ترجح "أليسيا ملكانجي" أستاذ مساعد التاريخ المعاصر لشمال إفريقيا والشرق الأوسط بجامعة سابينزا في روما.