انطفأت الأفران للأبد.. شركة الحديد والصلب مسيرة حافلة
إذا ذُكرت حلوان، ذُكر معها مصنع الحديد والصلب ذلك الصرح الوطني العظيم، باكورة منجزات ثورة 23 يوليو من العام 1952، الذي ولد عبر قرار جمهوري من قِبل الزعيم جمال عبد الناصر في 14 يونيه من العام 1954 وذلك بتأسيس "شركة الحديد والصلب المصرية" بمنطقة التبين بحلوان، كأول مجمع متكامل لإنتاج الصلب في العالم العربي برأسمال 21 مليون جنيه.
جاء قرار تأسيس الشركة الوطنية للحديد والصلب بعد اكتشاف مناجم
خام الحديد في الواحات البحرية، ليكون هدفه بشكل أساسي استغلال خام الحديد
المستخرج من المناجم، وإعادة تصنيعه.
تم الاكتتاب الشعبي لتحقيق الحلم وكانت قيمة السهم جنيهين مصريين يضاف إليهما خمسون مليمًا مصاريف إصدار، وفي يوم 23 يوليو من العام 1955 قام الرئيس جمال عبد الناصر ومجلس قيادة الثورة بوضع حجر الأساس الأول للمشروع على مساحة تزيد على 2500 فدان شاملة المصانع والمدينة السكنية التابعة لها والمسجد الملحق بها، بعد توقيع العقد مع شركة ديماج ديسبرج الألمانية (ألمانيا الشرقية آنذاك) لإنشاء المصانع وتقديم الخبرات الفنية اللازمة.
واجه المشروع
العديد من الصعوبات أثناء حرب السويس في العام 1956، ورغم ذلك استمر العمل بهمة
ونشاط في بناء المصنع، ولقى المشروع الجديد معاونة صادقة من كافة أجهزة الدولة مثل
: مصلحة الطرق، المرور وسلاح الحدود الذين تضافرت جهودهما لتيسير عمليات النقل.
فى نفس التوقيت تم تشغيل ميناء الدخيلة لتوريد الفحم اللازم لتشغيل الأفران، وكذلك خط سكك حديدية من الميناء تصل إلى حلوان وخط سكك حديدية آخر لتوصيل خام الحديد من الواحات إلى حلوان.
في نوفمبر من العام 1957 بدأت الأفران لكهربائية الخاصة بصهر الحديد عملها بالفعل كتهيئة مبدئية لافتتاح المشروع الجديد.
افتتح الزعيم جمال عبد الناصر مصنع الحديد والصلب، يوم 27 يوليو من العام 1958 وبدأ الإنتاج في نفس العام باستخدام فرنين عاليين صُنعا بألمانيا، وقد تمت زيادة السعة الإنتاجية للمجمع باستخدام فرن عالٍ ثالث صناعة روسية عام 1973، لحقه الفرن الرابع بغرض زيادة إنتاج الشركة من الصلب عام 1979، ليضم المجمع بذلك أربعة أفران عالية.
كان من بين أهداف تأسيس الشركة، المساهمة في بناء السد العالي، وتم استخدام الشركة في بناء جسم السد من الإنتاج المحلي لمجمع الحديد والصلب.
تأثرت الشركة الوطنية بمتغيرات العالم الاستراتيجية والاقتصادية، خاصةً في فترتي التسعينات والألفية الجديدة حيث تقادمت مصانعها ولم يتم تطويرها، في أوقات عواصف الخصخصة التي تسببت في تآكل الشركات الوطنية ما بين الحكومية والقطاع العام.
نتيجةً لهذا الإهمال المُلغِز، وصلت مديونية الشركة في يونيه من العام 2020 إلى 6 مليارات جنيه، وبلغت خسائر الشركة في نهاية العام الماضي إلى مليار جنيه.
هذه الأسباب أدت إلى التلويح بإغلاقها في 12 يناير الماضي، وهو ما تم اليوم بإسدال الستار نهائيًا على صرح وطني، افتقد حتى لمتحفية التواجد لذاكرة الأجيال القادمة تحت مسمى التطوير والتجديد الملبد بالتساؤلات والإستفهامات الغير ممنطقة في عصر الكورونا والمستجدات المجهولة.