الحرب بعيون أهل غزة: هناك ما هو أصعب من الموت!
"أغرب ما فعلته اليوم، هو أنني تبادلت أولادي مع أخي، أخذت منه اثنين من أولاده، وأعطيته اثنين من أبنائي، حتى لو تعرضت لقصف الاحتلال، يبقى من نسلي أحد، ولو قصف هو يبقى من ذريته"، هكذا كتب خالد صافي، المقيم في قطاع غزة، على حسابه على تويتر.
تكشف هذه التغريدة، حالة الهلع التي يعيشها كل مواطن في غزة، وانتظار الموت في كل لحظة، وفقدان الأمل في إمكانية النجاة، بما يحتم على القادة المحليين التدخل لتفادي هذه الصدمات.
حتى وإن نجا خالد صافي من الموت، هو وأبنائه، فلن ينجو من الصدمة النفسية والهلع الذي تخلفه هذه الضربات الشرسة الإسرائيلية على قطاع غزة، وما سبقها من حروب وضربات سابقة، الدماء والمنازل المهدمة وأصوات الضربات المتلاحقة التي يصاحبها تفكير في وقوع ضحايا ورائحة البارود في الهواء، لن تمر بدون أن تأكل عقول سكان قطاع غزة، وتخلف اضطرابات نفسية وذهنية صعبة، لن يمكن للزمن أن يمحيها، أن نجوا من الموت في هذا الصراع الدائم.
حتى الأطفال الذين يتلقون علاج من الاضطرابات النفسية الناجمة عن الحرب، لا يكتفي العدوان الإسرائيلي بتركهم لأمراضهم النفسية التي خلفها، ولكن يسعى للقبض على أرواحهم، في آلة ترويعية غير مسبوقة. فقد أعلن مجلس اللجوء النرويجي، الذي يقدم الدعم النفسي للأطفال في قطاع غزة، الثلاثاء أن 11 طفل كانوا يتلقون علاج ضد الصدمات النفسية، في عيادتها، قد قتلوا في الضربات الجوية التي تشنها إسرائيل على قطاع غزة.
توضح المنظمة: "لقد رحلوا، وقتلوا مع عائلاتهم، ودفنوا مع أحلامهم وكوابيسهم التي طاردتهم. ندعوا إسرائيل لوقف هذا الجنون، ينبغي أن يتم حماية الأطفال".
إلى جانب ذلك، فقد استهدف أيضا الطيران الإسرائيلي بضربات مرعبة، العيادات التابعة لـ "أطباء بلا حدود" التي تقدم الدعم لحوالي 1000 طفل، يعانون من إصابات وصدمات ما بعد الإصابات، بحسب "أطباء بلا حدود" على موقعها.
هذه المرة، يبدو أن الحرب أشرس من قبل، فوتيرة القتل، لاسيما بين الأطفال، وهدم المنازل، أقوى وأشرس. توضح البيانات الرسمية، حتى أمس الأحد، أن الهجمات الأخيرة الإسرائيلية خلفت حتى الآن 212 قتيلا، بينهم 61 طفلا، و36 سيدة، بينما تخطى عدد الإصابات 1235.
في شارع الوحدة بوسط غزة، هناك فقط 42 قتيلا، بينهم 16 سيدة و10 أطفال، بالإضافة إلى 50 مصابا سقطوا جميعهم خلال ضربات في ليلة واحدة، وهي الجمعة، أرقام تكشف مدى العنف وكثافة الغارات الإسرائيلية.
إلى جانب القتل، فهدم المنازل لا يتوقف، تكشف الأرقام عن هدم أكثر من 600 وحدة سكنية وعشرات المباني الخدمية والبنوك، كما اضطر أكثر من 38 ألف أسرة للهرب إلى مراكز الأونراوا، هلعا من الضربات.
في دراسة أجرتها منصة "فرونتيرز" العلمية الدولية، بشأن اضطرابات ما بعد الصدمة بين الأطفال والمراهقين الفلسطينيين في مارس 2020، أوضحت أن الوضع في قطاع غزة، كارثي، وأن الأطفال يتعرضون لأحداث صادمة بشكل يومي، نتيجة للحرب والنزاع طويل الأمد. وأظهرت الدراسة التي أجريت على عينة مكونة من 1029 تمليذ، بينهم 533 إناث و496 من الذكور، أن 88% من الأطفال والمراهقين في القطاع يعانون من صدمات شخصية، مرتبطة بالحرب وما يحدث فيها من قتل وتدمير المباني أو التشريد، وأن أكثر من 53% من الأطفال يعانون من اضطرابات ما بعد الصدمات.
هذه الأرقام سيضاف إليها أطفال مصدومين جدد بالتأكيد بعد الهجمات الأخيرة التي يبدو أنها ستطول، مع إصرار إسرائيل على مد الحرب وعدم التوقف، وهو ما ينبغي أن يلتفت إليه قادة الدول المعنية والمجتمع الدولي أن تأثير الضربات الإسرائيلية، يتعدى أرقام القتلى المعلنة، فهي تخلف سكان قطاع بحاله يعاني من اضطرابات وصدمات نفسية.