«النهر الخالد».. مناجاة محمود حسن إسماعيل وعبد الوهاب لنهر النيل
في ظل حالات الترقب المصرية والسودانية،
لمصير نهر النيل الخالد المهدد بالإنحسار والتحجيم عن طريق سد النهضة، تتذكر
العقول والأفئدة القصائد المكتوبة والمغناة عن نهر النيل كمصدر خير وإلهام وإبداع
للقريحة الإنسانية الغنية.
(الشاعر محمود حسن إسماعيل)
في العام 1954 قام الشاعر الكبير، محمود حسن
إسماعيل، أحد رواد مدرسة "أبولو الشعرية" بنقش قصيدته الشهيرة
"النهر الخالد"، من وحي النيل الجاري باستمرار كنايةً عن عمق الحضارة
المصرية العريقة بمختلف أزمانها، وهو سر بقاءها أمةً ووطنًا.
(موسيقار الأجيال محمد عبد الوهاب)
قام الموسيقار الكبير، محمد عبد الوهاب
باختيار كلمات إسماعيل الخالدة، كخلود النهر العظيم وتلحينها على نطاق نفس الوحي
المكتوب بعبق سبعة آلالاف عام من الحضارة، والتي تقول كلماتها :
مُسافرٌ زاده
الخيالُ والسحر والعطر والظلالُ
ظمآن والكأس
في يديه والحب والفن والجمالُ
شابت على أرضه
الليالي وضيعت عمرها الجبالُ
ولم يزل ينشدُ
الديارَا ويسأل الليل والنهارَا
والناس في حبه
سكارى هاموا على شطه الرحيبِ
آهٍ على سرك
الرهيبِ وموجك التائه الغريبِ
يانيل يا ساحر
الغيوب
يا واهب
الخلدِ للزمانِ يا ساقي الحبِ والأغاني
هات اسقني واسقني
ودعني أهيـم كالطير في الجنانِ
يا ليتني موجة
فأحكي إلى لياليكَ ما شجاني
وأغتدي
للرياحِ جارا وأسكب النور للحيارى
فإن كواني
الهوى وطارَا كانت رياح الدجى طبيبِي
آهٍ على سرك
الرهيبِ وموجك التائه الغريبِ
يانيل يا ساحر
الغيوب
سمعت في شطك
الجميلِ ما قالت الريحُ للنخيلِ
يسبح الطيرُ
أم يغني ويشرح الحبَ للخميلِ؟
وأغصنٌ تلك أم
صبايا شربن من خمرة الأصيلِ؟
وزورقٌ
بالحنين سارَا أم هذه فرحة العذارى؟
تجري وتُجري
هــواك نارَا حملتُ من سِحرُها نصيبِي
آهٍ على سرك
الرهيبِ وموجك التائه الغريبِ
يانيل يا ساحر
الغيوبِ
إستعاد محمد
عبد الوهاب، وقت تلحينه للقصيدة بطقوس كهنة مصر القديمة، وتبجيلها
ل"حابي" الرامز لنهر النيل، كإله مقدس يفرض على المصريين، قداسته
واحترامه بعدم تلويث مياهه، وإضفاء الجمال والبهاء على شطآنه العتيقة.
تتحدث القصيدة
عن جمال ضفاف النهر والنخيل المتواجد على ضفتي النيل، ويناجي الشاعر النهر الذي
صوره بأنه يسقي الحب والأغاني، في سردية تتواصل مع عظمة هذا الموصوف.
لا زالت قصيدة "النهر الخالد" وقت
إذاعتها، تجذب المستمعين لسحر التشبيهات البلاغية المناجية لنهر النيل، كشخص قائم
بذاته يسعى للتجويد إلى الأبد، وهو ما رصده موسيقار الأجيال بمزجه الحميد بين
الموسيقى الشرقية والموسيقى الغربية في هذا القالب اللحني الجميل.